للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

راجعاً منك إليه

هل من الأمواج جئت؟!

إن رأيت الفجر يمشي خلسة بين النجوم

ويوشي جبة الليل المولى بالرسوم

يسمع الفجر ابتهالاً، صاعداً منك إليه

وتخرى كنبي هبط الوحي عليه

هل من الفجر انبعثت؟!

حقاً أن نعيمه في قصيدته (من أنت يا نفسي) التي شوهت جمالها وفرقت وحدتها باختياري هذين المقطعين منها لمن أبدع الشعراء تصويراً وأبرعهم تلويناً للفكرة الواحدة. فمن منا لم يحس بنفسه تحاول التفلت والانطلاق، وتحن إلى الامتزاج بمظاهر الكون؟ إلا أنني لا أعرف شاعراً كنعيمه استطاع أن يصور لنا تلك الارتعاشات التي تهيمن على النفس الإنسانية أمام هدير الأمواج وقصف الرعود ولمع البروق وانين الراح وانبثاق الصبح وغناء البلبل.

لقد بلغ نعيمه في هذه القصيدة درجة الإعجاز الفني لأنه شاعر فيض وإلهام لا شاعر قريحة ونحت ألفاظ. أنظر كيف يلخص قصيدته بهذا المقطع الرائع:

إيه نفسي! أنت لحن فيَ قد رن صداه

وقعتك يدُ فنان خفَي لا أراه

أنت ريحٌ ونسيمٌ، أنتِ موج أنت بحرُ

أنت برق، أنت رعدٌ، أنت ليلٌ، أنتِ فجرُ

أنتِ فيضٌمن إله!

وهنا لا بد لي من تسجيل هذه الخاطرة في شعر نعيمه، وهي أن شعر نعيمه من ذلك النوع الذي لا يرهق العقل ولا يكده - على ما فيه من عميق الفكر وسامي الخيال - بل يفيض على القلب طمأنينة ويشيع في النفس راحة ويقوي من أجنحة الخيال ويبسط على الروح جواً سحرياً فيه متعة وفيه إخلاد إلى التأملات والاشراقات الروحية التي تقرب الإنسان من خالقه وتبعده عن دنيا الأطماع والسفاسف والشهوات، ولعمري تلك مزية شعر الأمم

<<  <  ج:
ص:  >  >>