اللبناني في بناء السفن والتوابيت، وأغلب الظن أن علاقتهما كانت علاقة الأخ الكريم بالأخ الكريم، ولم تكن غير ذلك طوال أيام تاريخهما، إلا في فترات التدخل الأجنبي وتسلطه البغيض.
ونحن لا ننظر إلى القصة من زاوية الخير والشر كما يفعل الوعاظ، ولكن نراها من ناحية علاقتها التاريخية بالشلال الأول فالنيل شخصية واضحة تلازم البطل (أوزوريس) في جميع مناظر القصة، إلا ما كان منها خارج واديه، بل لعل البطل يندمج مع النيل في بعض فصول القصة. وشخصية (أوزوريس) فيما يظهر، هي الصورة المجسمة العاملة المدبرة للنهر الميمون، بل أن اختيار قاعتي العدل المزدوجة ف يعين شمس أولاً، ثم في الشلال الأول أخيراً على وجه التحديد، كان سبب وجود مقياسين للنيل عند منبعه وبدء تفرعه إلى أفرع كثيرة ليست من صلب النيل، بل أن بعضها لا يمتلئ إلا في فترة الفيضان - وقد كان للمقياسين أخصائيون يقيسون زيادته ونقصانه ويزنون مياهه، ويرصدون عليه حركاته، ثم يقدرون من وراء هذا كله دخل الحكومة وأرزاق الناس.
وعندي أن اهتمام المصريين بمنابع النيل عند الشلال الأول لم يكن عبثاً بل كان لا بد لمنابع النيل من إدارة عليا تهيمن عليه، لا تدانيها في عظمتها إدارة الشمال، كما هو الحال في يومنا هذا، فأن مصلحة الري المصري بالسودان توافي البلاد بأخبار النيل على الدوام.
ويعزز رأينا هذا ما قاله الملاح (لإيزيس) من أنه لا يستطيع أن ينقلها بإذن منها - يعني بذلك أنه موظف مسئول وأنه لا يتلقى الأمر إلا من صاحب الأمر، وتطالعنا الآثار بأن حاكم الجنوب اتخذ كرسيه في جزيرة فيلة عند الشلال الأول متمتعاً بأقصى ما يتمتع به عامل من ثقة مليكه.
ونحن إذ نؤمن بوجود إدارة عليا للنيل عند منابعه مع وجود السفان وسفينته في هذا المكان والاهتمام (بفينيقيا) موطن أخشاب الأرز، كل أولئك يحملنا على الترجيح بأن ملاحي الشلال الأول هم أول من أنشئوا السفن تجري على صفحة النيل السعيد بسم الله مجريها ومرساها.
ولعل بين إسناد التاريخ الأثرية ما تكشفه لنا الأيام فيؤيد هذا بصورة قاطعة.
ولقد ظل ملاحو الشلال الأول محافظين على عهدهم مع النيل فصادقوه وحالفوه، وعاشوا