منذ كانت قضية مصر تعرض على مجلس الأمن وكانت إذاعتنا تذيع الأنباء وبعض ما ألقي من الخطب، وكانت في فترات انتظار تجمع الأنباء تذيع ما تعودت إذاعته من الغاني الهزيلة التي تستعطف قلب الحبيب الهاجر. الخ، وانبرت الأقلام تنبه على هذه الفوضى وتشير بأن تذاع بدل ذلك أناشيد حماسية تغذي الوعي القومي والشعور المتوثب - منذ ذلك الحين تنبهت الأذهان إلى الفراغ الهائل الذي يحتاج إلى أن يشغل بالأناشيد، لأن الذي حدث أن الإذاعة أخرجت ما لديها من الأناشيد الوطنية وأطلقتها على الآذان التي تحملت شدة وقعها وأبت أن تنفذها إلى القلوب لخلوها مما يصلح وقوداً لشرر الوطنية فيها، فهذه أناشيد يتطرب بها بعض المغنين في لين وتكسر. .
وتلك أناشيد تنشدها جماعات من الصغار أو الكبار بطريقة آلية تخرج من حناجرهم ميتة رغم إعلاء الصوت بها، ومن هذه أناشيد وصفوها بأنها قومية وضعت بعد معاهدة سنة ٩٣٦ وقت أن قبل ليس في الإمكان أبدع مما كان، ولا تزال تلك هي أناشيدها القومية لأننا لم نستعض عنها بجديد ولم نخل (طرفها) بعد. . . وكل هذه الأناشيد تسترك في أنها لا تؤدي شيئاً مما تجيش به الأفئدة في هذه الظروف وإنما هي كلام منظوم مؤلف من عبارات عامة و (أكلاشيهات) مرسومة فنحن أسد العرين وحماة الحمى وأجدادنا مدوا أيديهم إلى الشمس وامسكوا بقرصها الذهبي. الخ والإلقاء فهما منسجمان مع التأليف. . نغمات عالية وعقائر مرتفعة، كأن المشاعر الوطنية في مكان سحيق فهم يطلقون أقوى الحناجر لتبلغها الصيحات. . وأكبر دليل على أن تلك الأناشيد لا تنبض بحياة أننا لا نسمع أحداً يرددها طائعاً مختاراً. . ومن المخجل أنك لا تجد نشيداً واحداً يجري على الألسنة كما تجري الغاني المبتذلة من مثل (حموده ياني!)
وليست الأناشيد في مدارسنا بأحسن حالاً، فهي على ذلك الغرار بدليل أن التلميذ لا يرددها في خارج المدرسة، ومن أسباب قصورها أن المشرفين على الأناشيد في وزارة المعارف من ذوي الفن الموسيقي لهم خبرتهم في الإيقاع لا في التأليف لأنهم ليسوا من أهل الأدب، وكثيراً ما يختارون ما يسهل تلحينه أو يوافق قوالب عندهم.
وقد تنبهت الوزارة لذلك فألفت لجنة من الأساتذة عبد الحميد السيد ومحمود غنيم ومحمد الأسمر منذ نحو ستة أشهر لوضع نظام لمسابقة أناشيد مدرسية. وأخيراً أنمت اللجنة