أو لا يفكرون أنه لو اتخذ مثل هذا القرار ملك عات من ملوك الحكم المطلق، أو أمير ظالم من أمراء القرون الوسطى في أوربة، لفضحه كتاب التاريخ، وقالوا، لص يأخذ مال زيد ليعطيه لعمرو، وقالوا، مجنون نجود بما لا يملك، ولملئوا صحائفهم غيرة على الإنسانية وحقوق الإنسان. فلماذا يخرسون الآن فلا ينطقون؟ لماذا لا نسمع من أوربة وأمريكة، أصوات من يدعون أنهم أنصار الحق , أن أقرمهم للإنسانية ليست لفرد ولا لشعب؟
لقد غضب أميل زولا لدريفوس، فقالوا إنه رجل الحق والإنسانية، وصدقنا ما قالوا، فلم لا نلقى اليوم في الغرب كله زولا واحداً، يغضب لأمة بقضها وقضيضها، تزاح عن مكانها وتطرد من أرضها، ليحل اللص الواغل عليها في محلها، وتشترك في هذه المؤامرة الدنسة أمم الغرب كلها.؟
لماذا يخرسون الآن؟ ألأن الظلم صار ظلماً منظماً؟ ألأن قطاع الطرق تركوا الجبال والمغور وجلسوا في (ليك سكسس) ألأن محكمة التفتيش صار اسمها (هيئة الأمم المتحدة)؟ ألأن الجزارين أميركا وروسيا وفرنسا، والشاة فلسطين؟
خسأتم يا حلفاء الشيطان. . والله ما فلسطين بالشاة ولكنها القنفذ، على ظهرها الشوك، إنها السكين المشحوذة ذات الأربع شُعب، إنها زجاجة السم الناقع، فليتقدم لابتلاعها من شاء أن ينتحر. . .
لا، ما نريد أن نتكلم. ولو أردنا الكلام، لدمغنا جباه هذه الأمم التي أقرت التقسيم بأربعمائة مليون لعنة، تلفى التاريخ بها غدا، وتلقى الله بعد غد، وهي مخزاة لها، وعرَّة في جباهها ولكنا نريد العمل.
ونحن نعترف أننا لا نملك مثل أموال اليهود، ولا مثل أسلحة الأميركيين ولكنا نملك سبعين مليون روح، نريد أن نزهقها كلها، أو ندفع عنا هذا الضيم الذين تريدنا عليه أميركا وروسيا، فهل عندكم من القنابل الذرية ما يكفي لقتل أربعمائة مليون؟
أما نحن فإن عندنا من القوة ما ندمر به كل شيء لكم في بلادنا. . بضائعكم ومصالحكم ومدارسكم (وسمعتكم) فلا تستطيعون أن تأخذوا بعد اليوم بترولنا لتحرقونا به، ولا أموالنا لتحاربونا بها ولا أولادنا لتجعلوهم أعداء لنا، ولا تجدون فينا بعد اليوم من يسبح بحمدكم، ونحن نصلى بناركم.