لقد خدعنا بفرنسا أولا، حتى فزع إليها الزعيم مصطفى كامل وحسب أنها أمة الحرية حقاً، وأمة حقوق الإنسان. . وخدعنا بإنكلترا ثانياً حتى ترك الملك حسين إخوانه في الإسلام وحلفاءه في المعركة، وانحاز إلى العدو، وفعل فعلته التي فعل. . .
وخدعنا بأميركا ثالثاً ومبادئ ولسن، وميثاق الأطلنطي. وخدعنا بروسيا رابعاً، والمبادئ الشيوعية المثالية التي تجعل الأرض جنة للفقراء. . فذقنا وبال ذلك كله علقماً مراً، ثمالة كأسه تقسيم فلسطين فلن نخدع بهم بعدُ أبداً، كفرنا بهم كفراً صريحاً لا تأويل له، ولا شبهة فيه، ولا رجوع عنه. كفرنا بكل شيء غربي، إلا الأدب الإنساني والعلم التجريبي، فما فيها شرقي ولا غربي. كفرنا بموسكو وواشنطون، ولندن وباريس. . حين رأينا أنه لم يكن معنا من الأمم يوم التقسيم إلا أمم الإسلام وأمم كاليونان والهند حكمه المسلمون ورأت جمال الإسلام، أفليست هذه حرباً صليبية دينية؟ اليس أولئك هم المتعصبين حقاً، ونحن المساكين نتهم بالتعصب، لأننا (من حماقتنا) نقول أننا متعصبون ولا نتعصب. . . وهم يتعصبون ولكن لا يقولون. . .
أنا لا أقول في هؤلاء المؤتمرين بالحق والعدل شيئاً، ولو أننا قلنا فيهم أقبح المقال، لما جزنا عن القصد، ولما حدنا عن الصدق، ولا نقول إن العرب لا يقر لهم قرار، حتى نيمحوا بدمائهم هذا (القرار)، ويطهروا ديار الشام من أقذار الصهيونية، وينظفوا منازل العربية من أوضار الاستعمار الظاهر منه والمستتر. لا، ولا أقول: سنفعل، ولكن سأقول: فعلنا. . . ولقد جاءت الأخبار بأن العرب شرعوا بالعمل، وهذي طلائعه بدت من دمشق، ودمشق قلب العربية، من القلب ينبثق دم الحياة إلى الرأس والجوارح والأعضاء. . .
هذي طلائعه وأوائله، وأول الغيث قطر ثم ينهمر!
ولست أفخر بأن دمشق ثارت، فما هي بأولى ثوراتها على الظلم، ولا بأنها سبقت عواصم العرب كلها، فدمشق أبداً السباقة إلى كل ما فيه إعزاز العربية الدفاع عنها، ولكن أفخر بخمسة أمثلة ضربتها دمشق أول أمس، فيها للعرب هدى ونور!
أولها: أن دمشق أدركت أن دعوى المساواة في الشيوعية كاذبة، كدعوى العدالة في الديمقراطية، وأنهم كلهم أعداء لنا يأتمرون بنا، ولصوص يتفقون علينا، وذئاب تجتمع على نهش لحومنا، وشرب دمائنا، فدمرت دار الحزب الشيوعي بعدما رأت فيها يوماً كيوم