- غداً نلتقي هنا يا غرمي في نفس الموعد. . . فإلى اللقاء. . . وراحت ذراعاه تطوقانها، وسعت شفتاه إلى أن التقتا، في الخيال - بشفتيها في قبلة طويلة حالمة. . .
. . . إن أقسى اللحظات التي تمر بإنسان لهي التي يستشعر فيها أنه محروم من الحب. فإنه في أعقاب هذا الشعور بالحرمان، يجفل من الناس. ويعاف صحبتهم، وينطوي على نفسه ويستوحد ولم تنشب هذه الحال السالبة أن تتحقق في أحلام اليقظة؛ فيكبر في وهمه أنه قد أحبته فتاة وأنها صارت له خليصة فهي تقابله - في الخيال - في غفلة من الناس، وتبثه لواعج الحب، وتهبه كل ما أنتكرته عليه حياة الناس. وإذا ما اختلفت على إنسان هذه الحال أدت به إلى الجنون. . .
. . . وما كادت صورة الفتاة تبرح خيال الشاعر حتى جلس إلى مكتبه وغيب يده في درج من أدراجه، وأخرج قرطاساً وقلماً وسطر بضع كلمات أنشأ مطلعها بصوت عال:
(اللحن الإلهي). . . يا له من عنوان!
وأكب على القرطاس يثبت ما عن له، حتى إذا ما فرغ من كتابته نهض إلى نافذة، وفتحها ووقف وراءها.
وراحت أنسام الفجر الندية تصافح وجهه، وتاهت نظراته في الفضاء والمحيط ثم ارتدت إليه مذعورة؛ فأغلق النافذة، وتراجع إلى فراشه، وتطرح عليه، وأسلم عينيه لإغفاءة طويلة معسولة. . .
كان محمد أو الأستاذ محمد كما يحب أن يدعوه الناس، واحداً من هؤلاء الشبان الذين يسلمون أنفسهم لقراءات غير منظمة، وكان قد انقطع عن المدرسة في أولى مراحلها فاعتمد على خبرته الضئيلة في اختيار لون الثقافة الذي يتفق ومزاجه. فلم يفد شيئاً.
وكان يبعث بمحاولاته الساذجة إلى الصحف والمجلات فكانوا - كما هو منتظر - يغفلونها ولا ينشرونها. فانعكست هذه الحال السالبة على نفسه؛ فاستشعر لأصحاب الصحف والمحررين على السواء كراهة مرة. . وصور له الوهم أنهم يغارون منه، وينفسون عليه موهبته الخالقة. . .
وكثيراً ما كان يمضي في الطريق محتضناً أفكاره، حتى إذا ما صادف صديقاً لم يشأ أن يتركه قبل أن يلقى عليه إحدى قصائده؛ وكانت خبراته بالدورات العاطفية التي تختلف