إلا تطبيق لقاعدة تربوية مشهورة ابتدعها المربي الكبير (أوغست كونت) وما سمع زملائي الأكارم بهذا الاسم حتى شرعوا يثنون علي ويطرون طريقته هذه. . . وإني أعترف الآن أن الحظ ساعفني في تلك اللحظة فاستطعت أن أخرج من هذا المأزق الحرج ناصع الجبين، محاطاً بهالة من إعجاب الزملاء والطلاب. . . ولكنني خرجت من المدرسة ولم أعد إليها، وما زال معلموها - أحسن الله إليهم - يذكرون أسمي مقروناً بالثناء العطر، وما زال طلابها - وقد اصبحوا شباباً - يرون أني المثال الذي يقتدي به علماً وأدباً.
لقد خرجت من المدرسة ولم أعد إليها. ورمت بي الأيام مرامي شتى فغيرت من طبيعة عملي ولكنها لم تستطع أن تتطرق إلى فكرة بقيت كامنة في قرارة نفسي، تلك الفكرة هي:(أني خلقت خطيباً. . . فيجب أن أكون خطيباً. . .).
ومرت أيام وأيام أصبحت بعدها محامياً فوجدت أن الخطابة أصبحت من لوازم مهنتي ولقيت الفرصة مناسبة (لإظهار مواهبي ثم أدركني ما يدرك كل محام ناشئ في (حماه) ففكرت بأنني قد درست المحاماة لا لأكون محامياً فحسب، بل لأكون نائباً أدافع عن حقوق الشعب تحت قبة البرلمان.
وكيف لا أطمع في النيابة وقد رأيت جاري (أبا نادر) زعيماً يتصدر مجلس الحي ويبحث في قانون روسيا ويناقشه، ثم يحمل على أمريكا وينتقد دستورها وسياستها. (وأبو نادر) أمي يجهل حتى موقع روسيا على الخارطة، ولا عرف عن أمريكا إلا أنها البلد الذي كان يهاجر إليه السوريون لكسب الرزق. . . لقد قرنت نفسي (بأبي نادر) فوجدت أني أكثر منه أهلية وكفاية وأخذت أعد للزعامة عدتها فرحت أحترم الكبير وأعطف على الصغير وأحيي كل مار أصادفه في الطريق، وأغشي كل ندي وأزور كل سامر. . . إنها مهمة شاقة ولكنها الوسيلة الوحيدة للزعامة في هذا البلد.
وشعرت بحاجتي للخطابة، وعاودني الحنين إليها. وما إن خطبت مرة واحدة حتى أصبحت المجالس تشتاق لسماع صوتي. وأضحى القوم يشيرون إلي بالبنان ويعدونني مجاهداً. . . وما أعظم هذا اللقب!. . وما أرخصه في هذا البلد!. . إني - شهد الله - لم أحمل عصا ولم لأرم حجراً، ولكنه لقب ساقه إلى القدر كما ساقه لغيري، فلن لا أفيد منه، ولم لا أنتفع ببركاته. إن خطبة واحدة جعلتني مجاهداً، فكيف بي لو خطبت كثيراً. . . إني سأكون في