تجد صاحبك تزوج حديثاً فترقى أو جرى في ركاب عظيم فنال الأجر أو هو قريب فلان باشا أو علان بك، أو غير ذلك مما أستحي أن أذكره، فإن استطعت أن تفعل مثله أو يكون لك مثل ظروفه فستظفر بالرقي وإلا فستبقى حيث أنت إلى أن يشاء الله. أنت في مصر على رأي صاحبنا الذي خرج. . . أنت في مصر يا بني. . . أنظر فهاأنذا بيني وبين الستين أربعة أعوام وقد تخطاني من لا أحسبهم جاهدوا في الحياة جهادي وخدموا البلد خدمتي. . . ثم ضحك ضحكة مرة ونظرت فإذا في وجه الرئيس شيء من الحرج وفي عينيه ما لا يخفى معناه من اختلاج، وفطن الوكيل فتدارك الأمر قائلاً. . . لا مؤاخذة يا بك فأنت ذو فضل وما عنيتك بما أقول. . . معاذ الله، ثم ضحك ضحكة أخرى لم أدر أقصد بها التبسط أم قصد إظهار ما في نفسه من غضاضة.
وقال الرئيس لهذا الأستاذ: اترك لي مذكرة وسأنظر في أمرك، وقال الأستاذ وهو يهم بالانصراف إني سأقبل على عملي غير متأثراً بشيء وإن كان الألم ملء نفسي ولكني أخشى أن يأتي الوقت الذي أصبح فيه كالحصان تدفعه العربة إن لم يجرها. . . وضحك الوكيل قائلاً. . . لست أول عبيط ولن تكون الأخير. . . أتظن أن في الرؤساء واحداً يعنى بأن يفكر في هذا؟ حسبه التفكير في نفسه.
ونظر الرئيس إلي ضاحكاً وقال. وأنت ما شكواك؛ فقلت إني أستكبر أن أشكو. . . هل تكتب هذا الذي رأيت وسمعت؟ قلت لست أصبر إلا بجهد حتى أكتبه.
وقال الوكيل ما جدوى كتابتك؟ يظهر إنك عبيط آخر. . . لا تؤاخذني. . . أكتب ما شئت إنك لا تسمع من في القبور. . . أتحسب هذه أموراً مجهولة تكشف عنها بما تكتب فتنبه ذا غفلة؟ كلا إن ذلك كله معلوم، وقد شاع الفساد حتى شمل الدولاب كله فماذا تقول؟ وماذا تريد بكتابك. . . أأنت صاحب معجزة؟ والله لو جاءتك معجزة ما استطعت أن تغير ما نحن فيه. . . يا شيخ الله يفتح عليك. . أنت في مصر. . ها. . ها. . ها. . غير الجيل كله وابدأ من جديد.
وتنهد الرئيس وقال لا أخفي عنكما وأحدكما زميلي والآخر تلميذي أني كرهت العمل و ' ني أتمنى لو استطعت أن أفعل فعل ذلك الشاب الذي دفع إلى استقالته. . . أتدرون ماذا يقول؟ يقول إنه يريد أن يهاجر إلى الأرجنتين لينسى أنه مصري!. إني أريد أن أعمل شيئاً