والصفاء في هذه الفكرة المجيدة.
وأني أقول لمن يروه: (أذهبوا إلى الهند فالتاج وحده أهل لهذه الرحلة).
وأما أنا فقد سطرت الكلمات التالية بعد أن زرت تاج محل وعدت إلى دهلي:
وقفة على تاج محل
كم تمنيت أن أقف هذا الموقف، وكم تخيلت أني أسرح الطرف في هذا المشهد وكم قرأت حديث التاج، وسمعت قصة التاج ورأيت صورة التاج فالآن فلتر العين جهرة ما شاقها إليه القراءة والسماع:
أشجار خضراء ناضرة، تحيط ببنية بيضاء ناصعة، وتشق هذه الخضرة إلى هذا البياض طرق وأحواض، وفي مطمح البصر إلى اليمين والشمال قباب عالية وردية مطلة على نهر جمنه.
أما هذا البناء الأبيض المشرف وسط هذه الخضرة، الذاهب في الهواء بقبته الكبيرة حولها قباب صغيرة، وقد لاحت نوافذه وشبابيكه وعقوده تتنازع العيون والقلوب وقامت حوله هذه المآذن الأربع العالية الجميلة - وهذا البناء العجيب لا أدري ما هو!!
أقصيدة من الجمال معانيها، ومن الرخام ألفاظها، ومن دقائق الصنعة قوافيها وتفعيلاتها؟ ما أجمل الشعر وما أبلغ الشاعر!
أألحان مجسمة، وأنغام ممثلة، وأغاني مصورة؟؟
ما أجمل الألحان وما أعذب الألحان، وما أحسن الغناء!!
أأماني أبدع فيها الخيال، وآمال انفسح فيها المجال، ثم استحالت حقائق، وانقلبت هياكل؟! ما أبعد الأماني وأعظم الآمال! وما أشد تحقق المحال!!
أم تلك أحلام، أم بدائع أوهام؛ ليست أفانين الرخام.
وما هذه الخطوط الجميلة، والنقوش المحكمة الدقيقة التي تحاول أن تشغل العين عن هذا البناء الضخم؟ أهي تعاويذ ورقي أم هي محسنات البديع في هذا الشعر البليغ!
وهذه الطرق التي يستبق فيها الماء والنبت إلى هذا البناء. وهذه المرايا التي تفرح بما تحوي من صور. وهذه المرآة العاجية العظيمة التي رفعت إلى هذا الوجه الجميل فيها جماله وسحره وفتنته.