لقد تعلمنا أن الظروف المحيطة بنا لا تخلق حسب أهوائنا حتى نحل متاعبنا طوع إرادتنا ووفق أهوائنا. وعلمتنا فلسطين كيف ندرس كل حالة ونتعرفها، وتعرف الشيء تكييفه بناء على طريقة منظمة وتبعاً لمنهج منطقي تحليلي. فالفضل لكم يا أهل صهيون ولأطماعكم إن أصبح الشرق قوة يحسب لها حساب. لقد أخذنا عنكم أن المنهج هو القوة الوحيدة النهائية الفاصلة التي لا تحد والتي لا يمكن أن يثبت أمامها شيء في الوجود أو تعترضها معضلة من غير أن تجد لها حلاً، لقد أخذتم عن الغرب روحه وعقله وأتيتم إلينا تطبقون هذا على أراضينا.
أما نحن فقد وقفنا نفكر علمياً ومنطقياً لندفع بالفكر العربي حتى يتعرف نفسه في كل شيء، وليبسط نفوذه ومضاءه وقوته حتى نعيدكم إلى الأقطار التي جئتم منها:
إنكم دفعتم العرب إلى الثورة مرات قبل اليوم وكنتم تنظرون إليهم نظرة المتفرج، أما اليوم: فستكون الثورة الكبرى في هدوء ونظام تسير على برامج وتضبط في المعامل وتقرن بالأرقام.
ستكون ثورتنا وليدة المصائب التي حلت بنا، وخاضعة للعقل الذي قيد كل ما فرطنا فيه فوضع الخطط لسنوات قادمة ولأجيال مقبلة.
ولذلك سنجعل لكل يوم عراكاً يناسبه، ولكل شهر كفاحاً يتفق مع مراميه، ولكل سنة حرباً تتطلبها تلك السنة.
لقد جربتم حظكم معنا في وقت لم نكن نفهم فيه أو ندرك شئون عالم يتطور. أما اليوم فاسمعوا واكتبوا ما أقول:
إننا سنتبع التفكير بالمنهج، وسنعرف كيف نسيطر على الظروف، لا بل كيف نستبق الزمن ونلين الطبيعة ونتعرف قوانينها وعلاقاتها بالأشياء، لأننا سنلاقيكم ليوم وغداً وبعد غد، وسترون أننا في كل مرحلة سيكون التلاقي على صعيد أنسب لنا وأقرب إلى جعل النصر تحت متناول يدنا. وتلك سنة جديدة لنا لم تعهدوها في الماضي عنا.
لقد طالما سمعنا كم ترددون: وماذا تصنع بلاد العرب التي تهدمها عوامل التفكك والانقسام ويؤخرها التشيع الذي يقتل جهودها ويقصي النافعين من أبنائها، ألم تروا كيف تحكمت فيهم الأغراض والمساوئ: فأصبحت بلادهم ضعيفة مستامنة خاضعة طائعة.