للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الطريق، وانبعاج في الأرض لا يكاد يمكنني من السير، ثم طعم لاذع يذبب اللسان ويمزق الأحشاء.

- لكنه السكر، والبدال لا يخطئ الترقيم.

- نعم، لا بد أن يكون سكراً، لأن البدال لا يخطئ الترقيم؛ فصبراً جميلاً، حتى نملأ جوفينا مما رزقنا الله وإنه الحلو مستساغ، وإن كره البصر واللسان والأحشاء جميعاً!

وأصبح الصباح وعاد النمل إلى عشه، لا لتستريح النملتان هذه المرة من عناء الليل، بل لتتلويا من عذاب أليم كلما مغصت في جوفيهما الأمعاء، والتقت المسكينتان في منبطح من العش:

- ليتنا ما اكلنا السكر.

- السكر؟!

- وماذا عساه في ظنك أن يكون؟

- اسمعي يا أختاه، لقد ذهبت مع ظلمة الليل غفلتي، وعادت إلي مع ضوء النهار حكمتي، أن هؤلاء الناس لأصحاب خدعة فما فتئوا الدهر يخدعون ويخدعون، وإني لأعلم من أمرهم ما لا تعلمين، بل لعلي أعلم منه ما ليس يعلمون.

- ماذا تريدين؟

- سأوضح لك الليلة ما أريد.

وجاء المساء ورجت النملتان، نملة تهدي وأخرى تهتدي.

تعالي معي فادخلي خزانة الكتب، امسكي هذا الكتاب ما عنوانه؟

- في الفلسفة الإسلامية.

- ومن كاتبه؟

- شيخ جليل في طليعة الشيوخ.

- دونك فأقرئيه، ماذا ترين فيه؟

- لست والله أطالع فيه إلا فقهاً وما إلى الفقه.

- نعم، وسماه فلسفة ليدخل المريدون خلال العنوان إلى فلسفة، فإذا بهم في فقه يتقلبون، كما دخلنا ليلة أمس على بطاقة من سكر، فإذا الفلفل يملأ منا الأمعاء والبطون. . . وهذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>