للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

!

أحقاً إننا أمة هازلة لا تدرك الخطر الداهم، ولا تقدر الخطب الجاثم، ولم تخبر العدو الظالم؟ هل ستمثل مأساة الأندلس على مسرح التاريخ ثانية، فيلقي بعرب فلسطين في البحر، كما ألقى عرب غرناطة من قبل. ويومئذ نجهش بالعويل والبكاء، وننتحب كما تنتحب النساء: نقلب الأكف أسفاً وندماً، ونعض الشفاه حسرة وألماً، فيقال لنا كما قيل لأولئك: ملك لم تحافظوا عليه محافظة الرجال فابكوا عليه اليوم بكاء النساء. ألا تعساً لأمة هازلة وسحقاً!.

أن الأمر جد، فنصرة فلسطين لا تدعو إليها لحمة القرابة والنسب، ولا صلات التاريخ والأدب، ولا حرمة الجوار ونخوة العرب فحسب، ولكن تحثنا إليها فضلاً عن كل ذلك - وما ذلك بالقليل - زعامة مدعاة، ومصلحة مرجاة. فمصر اليوم تغص بالرجال والأموال، وتتبوأ في قلوب أبناء العروبة لمكانتها العلمية، ونضجها الفكري أسمى منزلة. ثم أن دولة يهودية في فلسطين مؤيدة بأموال اليهود في العالم، وبخبرتهم العلمية وثقافتهم الواسعة لهي الوباء الذي يقضي على كل ما تفكر فيه مصر من مشروعات وإصلاحات، وما ترجوه من تجارة عريضة دولية، وصناعة ضخمة تغنيها عن سواها، وأساطيل مدنية تجوب البحار وتجلب الخيرات، ومواني تحتل مركز الصدارة على سيف البحر، وغنى يكفل لبنيها الذين أرهقوا طوال حقب التاريخ نوعاً مقبولاً من معيشة الأناسي ذوي الحضارة. كل هذا مهدد بكارثة على يد الصهيونية ودولتهم المنتظرة لا قدر الله!

ثم أن هؤلاء الأفاقين - وهم قلة وسط البلاد العربية - سيطلبون العون حتماً من حلفائهم الذين ناصروهم وستظل فلسطين على أيديهم مباءة للمستعمرين الغاصبين، يهددون الحريات، ويمتصون دماء الأبرياء، ويوقعون يبن الأخوة العرب العداوة والبغضاء.

فدفاع مصر عن فلسطين ودفاع عن أخ شقيق، ودفاع عن مصلحة مشتركة، ودفاع عن كسرة الخبز، وموارد الحياة، وأسباب العزة والحياة، ودفاع عن الحرية والسلطان، وعن كريم بهان، وعزيز يذل، ومال يسلب، وعرض ينتهب، وتراث يغتصب.

لتجد مصر بالمال غنيها وفقيرها، صغيرها وكبيرها، وشبابها وكهولها، رجالها ونساؤها، فالمعركة فاصلة، وقد عجم الغرب الغشوم عيداننا فإما وجدها صلبة قوية فارتد خاسئاً وهو

<<  <  ج:
ص:  >  >>