به حظه إلى العتق ثم الترقي في سلك الامارة، وقد تسوق إليه المقادير في أعقاب ذلك سلطنة البلاد.
وقد عنى السلاطين عناية بالغة بتنشئة مماليكهم تنشئة عسكرية صالحة، كما عنوا بطعامهم وشرابهم وصحتهم فتخرجوا - كما قال المقريزي - (سادة يدبرون الممالك، وقادة يجاهدون في سبيل الله، وأهل سياسة يبالغون في إظهار الجميل) وبتوالي الأيام تراخى السلاطين في بذل هذه العناية فاضطرب نظامهم شيئا فشيئا، وكان لذلك أثره السيئ في أخلاقهم، فانقسموا شيعا، وتدخلوا في سياسة الدولة فافسدوها، وشغلوها بأطماعهم غير المشروعة وقعدوا عن الجهاد الصادق، حتى صاروا كما قال المقريزي (أرذل الناس وأدناهم وأخسهم قدراً، وأشحهم نفساً، وأجهلهم بأمر الدنيا، وأكثرهم إعراضاً عن الدين، ما فيهم إلا من هو أزنى من قرد وألص من فارة، وافسد من ذئب).
أما التعليم الشعبي فقد كان مقره المساجد وما شابهها مما أنشأه السلاطين والأمراء ومن لف لفهم - كما ذكرنا - ومهما قيل في سبب انشائها، فهي لا شك كانت الدعامة الأولى من دعائم هذا التعليم. وقد كانت بمثابة جامعات علمية عظيمة الشان بها من الجامعات الحديثة خصائصها ومميزاتها، وإن افترقت عنها في الشكل والعرض بل لعل التعليم بها كان ميسرا اكثر مما هو ميسر اليوم. وكان الطالب بها حرات يندمج في إعداد من يشاء من الطلاب ويقعد أمام من يشاء من الأساتذة. ويضع جدول حصصه بنفسه، ويطوف على كل مسجد إذا شاء ليقتطف منه أشهى ثمراته. ولا يتحمل في سبيل ذلك من نفقات التعليم، بل بالعكس كان يجد البر والمعونة من كثير من أهل الفضل فإذا أتم إحدى مراحل تعليمه بقراءة كتاب في مادة أو بحفظ طائفة من الأحاديث أو نحو ذلك، منحه شيخه إجازة يشهد له فيها بتمام هذه المرحلة.
وكان السلاطين يعنون عناية دقيقة باختيار الشيوخ المدرسين في مدارسهم، ينتخبونهم من بين الأفذاذ المشهود لهم بالعلم والفضل والذين لا ينون يجعلون العلم ونشره غايتهم الكبرى. وكان بعض هؤلاء الشيوخ يستمر في مدرسته طويلا، ويلازمها، حتى لنستطيع القول - جملة - أن كل مدرسة كان بها منهم هيئة تدريس خاصة بها. لكل مادة من المواد المقررة بها أستاذ. ونذكر على سبيل المثال شيوخ الجامع المؤيدي وهم: شهاب الدين بن حجر