المدينة راجعا إلى مصر، وتبين له أيضاً أن الغرض الذي ذهب إليه من أهل الأمصار تبينوا أن الخليفة لم يصدق وعده، أي انه كذب عليهم باللفظ الصريح، شئ غير مستساغ فانه سال نفسه كيف تبينوا انه كذب عليهم فلم يعرف كيف يجيب فألقى الغرض كما هو وزاد عليه انهم اقبلوا ثائرين، (فلما بلغوا المدينة وجدوا أصحاب رسول الله قد تهيأوا لقتالهم، فكرهوا هذا القتال وانصرفوا كائدين، حتى إذا عرفوا أن هؤلاء الشيوخ قد القوا سلاحهم وأمنوا في دورهم، كروا راجعين فاحتلوا المدينة بغير قتال) ولكن رأي الدكتور طه وهو خير من يرى الآراء أن الغرض مدخول كله إذا لم يعزز بفرض آخر، ففكر وقدر، ثم نظر ثم قال:(وأكاد اقطع بان قد كان لهم من أهل المدينة أنفسهم أعوان دعوهم وشجعوهم ثم أعلموهم با عزم عليه أصحاب النبي، ثم أعلموهم بعودة المدينة إلى الهدوء والدعة، ثم انضموا إليهم حين حاصروا عثمان). وهذه كلها كما ترى فروض وتخيل، وإقرار أيضاً بما أنكره في أمر عبد الله بن سبا من تنظيم (الجماعات الخفية) التي تتستر بالكيد، فهو ينكر هذه المبدأ هناك ويقره هنا!! ثم يمضي الدكتور في فروض، فرضا من بعد فرض، حتى يريك كيف تعقدت الأمور فجأة إلى أن كان مقتل عثمان، ولكنه يختصر ذلك اختصارا غريباً عجيباً لم اعرف له مثيلا في كل ما كتب الدكتور وفرض وادعى ثم جزم الرأي وقطع به، مما يعرفه اكثر قراء العربية الذين قرأوا للدكتور منذ أول نشأته في الكتابة.
ولست احب أن اقف بك عند شئ إلا عند هذين الموضعين فأنا اكره الإطالة في تفليه كلام الدكتور، خشية أن لا انتهي، فان تحت كل حرف مما كتب علما كثيرا لابد من تفليه وغربلته ورده إلى وجوه الحق التي زال عنها إلى سواها، وأنت ترى إننا اضطررنا اضطرارا إلى الإطالة بالنقل. لئلا يفوت عليك شئ من لب حديث الدكتور وعلمه. وقد بدا الدكتور حديثه في إسقاط قصة اليهودي ابن السوداء عبد الله بن سبا فذكر أن (الرواة المتأخرين) اكبروا من شانها وأسرفوا فيها، وإنها لم ترد في (المصادر المهمة)، وان (ابن سعد) لم يذكرها وأن البلاذري لم يذكرها في انساب الأشراف (وهو فيما يرى الدكتور أهم المصادر)، أن الذي ذكرها هو الطبري (وأخذه عنه المؤرخين الذين جاءوا بعده فيما يظهر) كما يقول الدكتور.
١ - وبدء الدكتور بقوله. (الرواة المتأخرون) فيه إيهام شديد، متعمد فيما يظهر!! فان