وقفت على نسخة قديمة وثيقة من كتاب انساب الأشراف، فان هذه النسخة التي بين أيدينا إنما طبعت في اورشليم، وطبعها رجل من طغاة الصهيونية، وقدم لها مقدمة لم تكتب لا بالعربية ولا بالإنجليزية بل باللغة العربية! وليأذن لنا الدكتور أن نشك اكبر الشك في ذمة هذا اليهودي الصهيوني الذي طبع الكتاب في مطابع الصهيونية في أورشليم. فقد رأينا من قبل رجلا آخر حاطه الدكتور طه يوما ما برعايته وعنايته واستقدامه إلى الجامعة المصرية، وكان يسمى نفسه (أبا ذؤيب) إسرائيل ولفسون، (وهو الآن في فلسطين يجاهد في سبيل الصهيونية) فألف كتابا في تاريخ اليهود في بلاد العرب، وطبع في مصر وقدم له الدكتور طه مقدمة أثنى فيها عليه ثناء بالغا، ومع ذلك فقد وجدنا في الذي نقله من الأخبار، والأحاديث تحريفا وبترا واقتطاعا من نصوص محفوظة معروفة. أفلا يجوز لنا على الأقل أن نشك في أن اليهودي الآخر طابع كتاب البلاذري، يفعل مثل هذا؟ إننا على الأقل نشك ونتوقف هذا إلى أن طريقة التأليف القديمة وبخاصة ما كان على غرار تأليف البلاذري، قد يترك المؤلف فيها شيئا في مكان، ثم يذكره في مكان آخر، وكان أولى أن يذكر في المكان الأول، وهذا شئ يعرفه الدكتور كما نعرفه واحسن مما نعرفه، أفلا يجوز أن يكون البلاذري قد ذكره مثلا في ترجمة (عمار بن ياسر) أو (محمد بن أبي بكر) أو (محمد بن أبي حذيفة) أو رجل من اشترك في هذه الفتنة؟ وهو يعلم أن الذي وجد من كتاب البلاذري قسم ضئيل جدا طبع منه جزء في ألمانيا سنة ١٨٨٣، ثم تولى اليهودي الصهيوني طبع جزء آخر هو الذي فيه ترجمة عثمان في سنة ١٩٣٦، ثم طبع جزء سنة ١٩٣٨ قال الناشر في مقدمته المكتوبة بالعربية أن هناك حوادث جرت في عهد يزيد بن معاوية، هي وقعة كربلاء وموت الحسين (ولم تذكر في ترجمة يزيد بل ذكرهما في تراجم بني أبي طالب، وذلك حسب ما اقتضاه نظام الكتاب وفقا لتسلسل الأنساب) كما قال بنص كلامه أفلا يجوز إذن أن يكون البلاذري قد ادمج أمر عبد الله بن سبا في مكان آخر كما فعل فيما لاحظه وذكره هذا اليهودي؟ كل هذا جائز ولكن الدكتور حين يريد أن ينفي شيئا لا يبالي أن يجتاز كل هذا ويغضي عنه ليقول فيه بالرأي الذي يشتهيه ويؤثره غير متلجلج ولا متوقف.
ثم كيف نسى الدكتور أن من لم يرو خبرا ما ليس حجة على من روى هذا الخبر وبخاصة