فقالا إن يكن الله أمرك فسمعاً وطاعة، وإن كنت إنما تريد أن تصنع لنا بذلك فلا حاجة لنا به، فرجع إلى قولهما ووجه الدلالة فيه من جهتين أن النبي أراد التصرف في أموال الأنصار بدون استرضائهم كلهم للمصلحة وأن السعدين خالفاه للمصلحة أيضاً فرجع إلى رأيهما وأكبر من ذلك ما أخرجه مسلم عن عمران بن حصين أنه صلى الله عليه وآله وسلم أخذ رجلا من غفار بجريرة حلفائه من ثقيف وما كان إلا من أجل المصلحة وإلا فالباري جل شأنه يقول في غير موضع من التنزيل:(ولا تزر وازرة وزر أُخرى)، ويقول عن العبد الصالح (معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذاً لظالمون) وقالت الصديقة عائشة لو علم رسول الله صلى الله وآله وسلم ما أحدث النساء بعده لمنعهن المساجد أو ما يقرب منه، وقال ابن عبد السلام لله أحكام تحدث عند وجود أسبابها، وقال بعض الأئمة يحدث للناس من الأحكام بقدر ما أحدثوا من الفجور، وقال بعض متأخري الشافعية الشرع مبني على دره المفاسد وجلب المصالح، بل لو كن حكم شرعي يخالف العادة ترك للعادة سداً للذريعة المؤدية إلى الشقاق والعداوة التي لا ينقطع بابها إذا فتح ولا ينسد.
ولئن كنت ناقشته في بعض كتبي الفقهية لتقيدي في الفتوى بمنقول المذهب فلا بأس أن استدل به هنا للاستصلاح لفرق ما بين الجهتين لا سيما وقد رجحته علامة اليمن الحبر البدل شيخ شيخنا السيد عبد الرحمن بن سليمان الأهدل فيما ذهب إليه من تقوية كلام العلامة ابن زياد في نفس الموضوع وقال كثير من العلماء كالحنفية بالاستحسان، وفسر بدليل ينقدح في نفس المجتهد تقصر عنه عبارته وفسر أيضاً بعدول عن الدليل إلى العادة للمصلحة ومن المقرر بين الأصوليين حتى في المتون جواز التخصيص بالعقل وليس الاستصلاح عند مصادمة الدليل إلا من ذلك القبيل وعلى خاطري أن بعض الصحابة أحرم بصلاة المغرب فانفلتت راحلته فذهب وراءها حتى ردها وعقلها فعاد إلى مكانه وأتم صلاته فقيل له فقال أأدع ناقتي تضيع وأنا شيخ ضعيف؟ ولقد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذا وكذا غزوة فرأيت من تيسيره ما يتسع لأكثر من عملي هذا أو ما يقرب من هذا أو ما هذا نخيله وهو من الثابت وقد ذكرته في بعض كتبي ولكني لا أدري أين مكانه الآن فترى هذا الصحابي رضوان الله عليه تجاوز النصوص الخاصة في