سمعت بسياحات الأستاذ محمد ثابت، فأعجبت به واغتبطت، أن كان من المصريين سياح يجوب الآفاق إلى أقصى الأرض ليرى ويصف، ويقص على أمته من أنباء الأمم الأخرى. ولم يتح لي أن اطلع على ما كتبه هذا الرحالة المصري إلا الأسبوع الماضي، إذ اطلعت على كتابه (جولة في ربوع الشرق الأدنى) وقرأت ما كتبه عن العراق وإيران، فإذا الرحالة الهمام يعوزه العلم والتثبت في مواضع كثيرة، وأنا أربأ به أن يكون كبعض سائحي الأمريكان؛ يقدم واحدهم إلى القاهرة فيرى في ساعات قليلة الأهرام والأزهر والقلعة ومسجد السلطان حسن، وخان الخليلي، ويرى في الشوارع أناساً لا يعرف وجوههم ولا يفهم لغتهم، ولا يفقه عاداتهم ثم ينقلب إلى أهله فيكتب أو يحدث عما يضطرب في رأسه من خوفو باني الأزهر، وجوهر الصقلي مشيد الأهرام، والسلطان حسن مؤسس القاهرة وهلم جرا!! ثم يتحدث عن أخلاق المصريين وتأثير تاريخهم وجوهم في هذه الأخلاق
إنما يراد بالرحلات المشاهدة، والعلم عن عيان، وبحث بعض الأمور في مواطنها وإفادة علم جديد، أو إبطال وهم قديم، أو التثبت من رواية شائعة. وأما أن يطوف الإنسان بالبلاد مسرعاً كراكب القطار يخيل إليه أن الأرض والجبال والشجر سائرة وأن السيارة التي تجري إلى جانبه واقفة فذلك قلب الحقائق أو تشويهها، وتلك سبيل علمها شر، وجهلها شر.
وأحسب رحالتنا أعتمد في بعض ما كتب على كتاب من الأدلة الأوربية، وبهذا يفسر كثير من الغلط والتحريف في الأسماء، وتاريخ الحادثات الإسلامية بالتاريخ الميلادي، ونحن معشر المسلمين، يكذب علينا كتاب أوربا ويفترون على ديننا وتاريخنا وأخلاقنا، ويسيئون بنا الظن إساءة تقلب حسناتنا سيئات. فينبغي للسائح المسلم ألا يشركهم في ضلالاتهم، فيكتب كل ما يسمع غير متثبت، ولكن الرحالة المصري المسلم لم يتوق الغلط والغلوا مع نية حسنة وقصد سليم. وأصل البلية أن الأمم الإسلامية قد تقطعت بينها الأسباب، وجهل