للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكدر.:.

وأنا كلما فكرت، وذكرت ما رأيت من الحوادث بعيني ازددت يقيناً بأن أكثر الناس لا يعرفون سر الإيمان بالقدر:

رأيت الترام مرة وقد انكسر مِقوده، فنحط من المنحدر الهائل عند (الجسر) في دمشق، وكانت امرأة واقفة بين خطيه بعد المنعطف، فلما رأته مقبلاً كالموت النازل، سمرت رجلاها من فزعها بالأرض، وجمدت ولم يجرؤ أحد أن يدنو لإنقاذها فيموت معها، والوقت أضيق من أن يتسع لشيء، فأغمضوا عيونهم حتى لا يروا. . . فلما وصلت الحافلة إلى المنحنى تركت الخط وسارت قُدُماً، فصدمت جداراً من اللبن ضعيفاً، ومرت منه إلى قوم في دارهم فقتلتهم.

ورأيت مرة شباباً يمشون تحت فندق (إيدن بالاس) في دمشق، فرفع أحدهم رأسه فجأة فرأى شيئاً ساقطاً فتناوله بيده، وإذا هو صبي رضيع وقع من شباك الفندق، وهبطت أمه كالمجنونة، وهي امرأة من (حماه) فرأته سالماً. .

ورأى غيري حوادث مثل هذه الحوادث. وفي كتاب (الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي) مئات من القصص عمن نجا وهو في لج الهلاك، وفي كتاب الحياة آلاف من الأخبار عمن هلك وهو على بر النجاة.

فما سر هذه العجائب؟ وكيف عاشت المرأة وقد فرطت وعرضت نفسها للموت بسيرها بين خطي الترام، ومات قوم اتخذوا كل أسباب الوقاية، فدخلوا دارهم وأغلقوا بابهم، فشق الترام الحائط ودخل عليهم فدعسهم، وكيف وقعت البنت فلم تمت، وتموت كل يوم مئات من البنات من غير وقوع؟.

إن هذا السر، سر الله لا يعرفه أحد، فلا تحاولوا كشف سر القدر، ولكن استفيدوا من حكمة القدر. وهذا ما سقت له حديثي.

ستقولون، وماذا نعمل؟ هل ندع أولادنا يسقطون من الشبابيك لا نبالي لأنها إن كانت لهم حياة فسيبعث الله لهم حبالاً تمسكهم، أو رجالاً تتلقاهم، ولنقعد عن السعي لأنه إن كان لنا رزق فسيأتينا بلا سعي!.

لا يا سادة، ما هذا طريق فهم القدر، ولا هذه حكمة القدر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>