للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الإصلاح آنئذ قبل أن يتم وقوع هذا الخطر.

٦ - مدى سلطان المجتمع على الفرد:

ثمت إذن حقوق فردية تهم الفرد بنوع خاص، وهو أبصر الناس بها لأنه أعلمهم بمأتها ووسائلها - وثمت - في مقابل ذلك حقوق مشتركة تهم المجتمع بوجه خاص، وله من يدافع عنها ضد من يمسها أو يعتدي عليها، بوسائله الخاصة وحقوق كل من الطرفين تعد واجباً على الآخر. فحق المجتمع على الفرد - مادام يتمتع بالأمن في كنف رعايته - أن يسلك سبيلاً يبعد به عن الإضرار بمصالح الغير وحقوقه، وأن يتحمل نصيبه من التبعات التي يفرضها عيه مجرد كونه عضواً في المجتمع. وحق الفرد على المجتمع أن ينظم له القواعد التي تبصره بما عليه من واجبات في معاملته للغير وما له عليه من حقوق، وأن يدعه في شئونه الخاصة به يتصرف تصرفاً خالياً من كل قيد، وأن يكيف جريمة الفرد قبل إنزال العقوبة، فإن كان قد انتهك القواعد التي سنت لحماية المجموع، فترتب على ذلك إضرار بغيره؛ تدخل المجتمع للضرب على يده حماية لإخوانه، وأما إن كان تصرفه ناشئاً عن عيوب ذاتية أو اجتماعية فيه، يترتب عليها الإخلال بالتزاماته الاجتماعية نحو أسرته أو دائنيه أو واجباته بوجه عام، فللمجتمع أن يوقع عليه المسئولية الأدبية أو القانونية حسبما يراه لا بسبب هذه العيوب الذاتية أو الاجتماعية فحسب الفرد بلاءً وجودها فيه - ولكن لما ترتب عليها من إخلال - إذ الأمر هنا يخرج عن نطاق الحرية إلى الآداب والمعاملة، وأما ما عدا هذا من الأضرار العرضية التي لا ضرر فيها - فعلى المجتمع أن يتحملها عن طيب خاطر، فإن كفة الخير الذي يصيبه من إطلاق الحرية أرجح من كفة هذا الضرر مهما بلغ، خصوصاً وأن المجتمع يجب أن يعد نفسه المسئول الأول عن عدم توجيه الأفراد وجهة قويمة - مع ما كان له من سلطة. وأن التعرض للحرية كثيراً ما يؤدي إلى عكس المراد منه، مادام الجمهور - أكثرية الأفراد - يحكم في ذلك على الأقلية المخالفة المستنيرة - بحكم هواه وصالحه - لا بمنطق سليم يرى في الشيء ضرورة ذاتية تسوغ الأخذ به، ولا ضرر من القدوة السيئة، فإنها - وإن كانت تعرض نماذج سيئة من السلوك، فهي تعرض كذلك عاقبة أصحابها الوخيمة. وعلى الأفراد - على أي حال - أن يتعاونوا ويتناصحوا ويتواصوا فيما بينهم في أدب ومجاملة بما يحقق خيرهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>