للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولتأييد ما يقول (مل) من أن قوانين المجتمع ليست في حقيقتها إلا هوى الجمهور. وما يرى معه من خطر مبدأ التعرض لو أخذنا به؛ يضرب أمثلة كثيرة من التاريخ الواقع، منها عبادة الله على غير المذهب الروماني الكاثوليكي في نظر الأسبان، وموقف أهل أوربا الجنوبية من زواج القسس، ومصادرة البيوريتانيين أيام نفوذهم في نيوانجلند لكل أنواع الملاهي والتسلية، والنزعة الديمقراطية التي ترمي أن تجعل للجمهور أن يتدخل في تحديد طريقة إنفاق دخل الأفراد، ومطالبة العمال غير المهرة بألا تزيد أقليتهم الماهرة عن بقيتهم في الأجر، واختلافهم حول ضرورة التشريع الخاص بالعطلة الأسبوعية وتبرير الجمهور فعله هذا بالدين، وأن من حقه حمل الخارجين على إطاعة الدين، مما ترتب عليه أبشع صنوف الاضطهاد الديني، كما حدث في مذهب (مورمن) الذيوإن كان قد دعا إلى شئ رجعي مستنكر عندهم هو تعدد الزوجات؛ فلم يكن ينبغي أن يقابل بمثل هذه الوحشية فليس لجماعة أن تحمل غيرها على الرقي والحضارة عفواً؛ بقدر ما تستطيع التبشير ومحاربة العقائد الفاسدة في عقر دارها بوسائل التنوير والإقناع، ولكنه المجتمع يشرع دائماً وفق هواه، ثم يستبد بحجة الرأي العام.

تطبيقات:

وإذا تقررت لدى (مل) حرية الفرد في الفكر والعقل، في الرأي والتصرف، وثبت ضرورتهما لصلاح حال المعيشة وشخصية الأفراد، شرع يطبق هذه المبادئ على كثير من مشكلات عصره وبلاده - مبيناً في كل منها متى يحل للحكومة أن تتدخل في حرية الأفراد - منحازاً - كعادته دائماً - إلى جانب الحرية الشخصية وإطلاقها في أوسع مدى ممكن، متخذاً لهذا التطبيق مقياساً تتحد به مسؤولية الفرد أمام المجتمع ينحصر في قاعدتين:

١ - لا يسأل الفرد أمام المجتمع عن شئ من تصرفاته مادامت لا تمس غير شخصه، وهنا فلا سبيل للمجتمع إلا أن يظهر بغضه وكراهته، وأن يقدم نصحه وإرشاده، وأن يقضي على ما لا يرضى عنه بمجرد مقاطعته ونبذه.

٢ - أما إذا أتى الفرد تصرفات تعترض مصالح الغير. فللمجتمع في هذه الحالة أن يوقع الجزاء القانوني أو الأدبي الذي يراه كافياً للزجر ودرء الأعداء.

ولا يعد إضراراً بمصالح الغير التنافس والمسابقة، لما يترتب عليهما من إخفاق البعض

<<  <  ج:
ص:  >  >>