تشير له هذه أو تنبه عليه تلك؛ مسائل من العلم الطبيعي والإلهي مختلطة، يتدرك فيها ابن سينا من المحسوس إلى المعقول، ومن المادة إلى الصورة، ولذا نجده قد قسم أبواب هذا الكتاب إلى أنماط - على عكس المنطق الذي تنقسم أبوابه عنده إلى أنهاج - لأن النمط ضرب من البسط والتمهيد يقصد لذاته - بينما النهج ممهد لكل سالك إلى غاية معينة مما يحقق الغرض من المنطق كعلم لمناهج العقل - وكم في النمط الواحد من (إشارة) إلى أصل من الأصول، و (تنبيه) على جملة من الجمل، أو (وهم) من الأوهام، و (تذنيب) أو خاتمة ونتيجة لكل ذلك.
والكتاب الأول من الإشارات في خمسة أنماط. يهمنا منها الرابع (في الوجود وعلله)(ص١٨٩ - ٢١٤) والوجود المطلق الذي لا علة له على الإطلاق، أي الوجود في ذاته من حيث هو وجود؛ والوجود الآخر الذي هو محمول على أشياء مختلفة - هي معلولة له، والوجود عارض فيها وليس من ماهيتها، ومباحث هذا النمط - كما لخصها الرازي - ثمانية:(١) الرد على من لا يؤمن بوجود إلا المحسوس، (٢) العلل بوجه عام (٣) إثبات واجب الوجود (٤) ووحدته (٥) وتجرده عن الكثرة والنوع والجنس والعقل والحس، (٦) ومن الضد والشبيه، (٧) هو عاقل ومعقول (٨) تلك خير الطرق لإثباته.
والنشرة المتداولة لهذا الكتاب، هي تلك المطبوعة في المطبعة الخيرية بمصر سنة ١٣٢٥هـ، المشتملة على شرحي العلامة فخر الدين الرازي (في الهامش الخارجي) والخاجه نصير الدين الطوسي (هكذا تنطق في الفارسية بمعنى الأستاذ) - وكلاهما عالم محقق قام على شرح الإشارات مع فارق بينهما غير كبير - لا يعنيكم أمره - وحسبكم أن تتخيروا لأنفسكم أي الشرحين على هذا النص (المذكور في كليهما بين أقواس) - فإذا تعذر عليكم تفهم الواحد فليكمل بشرح الآخر.
٢ - العلل الأربع:
وابن سينا - قبل أن يشرع في تفصيل علل الوجود - ينبه على ما قد يتبادر لأذهان العامة من أن كل موجود فهو محسوس، وأن كل ما لا وضع له في المكان وفي الجهة وفي سائر أحوال الجسم المحسوس فلا نصيب له من الوجود - وهو رأي المشبهة ومن لفّ لفهم - فإننا حين نتأمل هذه المحسوسات الجزئية نجدها تشترك في معنى كلي مجرد - كالإنسان