منطق صائب وتلحن أحيا ... ناً وخير الحديث ما كان لحناً
يقول الشاعر إن هذا الشعر لمالك يقوله في استملاح اللحن في الكلام من بعض جواريه وهو من أوهام الجاحظ.
قال علي المنجم: قلت للجاحظ: إني قرأت في فصل من كتابك المسمى كتاب البيان: إن مما يستحسن من النساء اللحن في الكلام وأنشدت بيتي مالك بن أسماء. قال هو كذلك. قلت أما سمعت بخبر هند بنت أسماء مع الحجاج حين لحنت في كلامها فعاب ذلك عليها، فاحتجت ببيتي أخيها فقال إنما أراد أخوك أن المرأة فطنة فهي تلحن بالكلام إلى غير المعنى في الظاهر لتوري عنه ويفهمه من أراد بالتعريض كما قال الله سبحانه (ولتعرفنهم في لحن القول) ولم يرد أخوك الخطأ في الكلام، والخطأ لا يستحسن من أحد. فوجم الجاحظ وقال: لو سقط إلي هذا الخبر ما قلت ما تقدم. قال فقلت له: أصلحه؛ قال: الآن وقد سار الكتاب في الآفاق؟
وفي المسألة بحث بين الأدباء. والظاهر أن المعنى في شعر الفزاري من قبيل المعنى في شعر النظامي:
يقتلننا بحديث ليس يعلمه ... من يتقين ولا مكنونه باد
فهن ينبذن من قول يصبن به ... موقع الماء من ذي الغلة الصادي
وهو الذي ذهب إليه أبو الطيب في قوله:
وإذا الفتى ألقى الكلام معرضاً ... في مجلس أخذ الكلام اللذعني
أما إرادة اللحن الحقيقي فبعيدة جداً لأن اللحن لا يستحسن من أحد كما قال الحجاج ولاسيما في صدر دولة بني أمية. ولئن استحسن من المرأة في بعض مناسبات فإن كلمة الشاعر عامة مطلقة. وخير الحديث ما كان لحناً.
فإن حمل ذلك على التخصيص في الحديث يجعله مصروفاً إلى حديث المرأة فأقرب به من التكلف من غير مبرر من ذوق سليم.
وبعد فلعلي لا أكون قد جاوزت قدري بمراجعتي علماً من أعلام الأدب، فإن الحق ينطق، والحق ضالة كل حكيم وعليم.