للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الإذلال. . .

إن كل غني يستطيع أن يتصدق بالكثير؛ ولكن غنى القلب بالإنسانية والنبل والحب، هو وحده الذي يستطيع أن يتصدق، مع المال، بالعاطفة المنعشة. . . فلا تضنوا على الفقراء بإنسانيتكم، ولا تبخلوا عليها بعطاء قلوبكم، وذكروهم أنهم لا يزالون معدودين من البشر، وأنهم مثلكم لأب واحد ولأم، لآدم وحواء، وأنهم لم ينحدروا إلى دركة الدواب والبهائم.

ذكروهم بهذه الحقيقة التي طالما نسيتموها أنتم، ونسوها هم أنفسهم. ولم لا ينسونها وهم يعيشون كما تعيش البهائم: ينامون مثلها على الأقذار، في الأكواخ والحقول، وفي الأزقة المعتمة، وفي الخرائب المهجورة، ويأكلون مثلها من فضلات الناس، ويشربون مثلها من البرك الآسنة، والأنهار العكرة، ولم ينالوا تعليماً يرفعهم عنها ولا مدنية تميزهم منها؛ يسهرون في عصر الكهرباء على السرج والقناديل، ويركبون في عهد الطيران على العربات التي تجرها الحمير، ويسكنون في الأكواخ على التراب في زمان ناطحات السحاب؛ ومن تشبه منهم بالناس المتحضرين، لم يكد يصل إلى مثل حضارة الإنسانية الأولى، يحلق مثل (الناس) ولكنه يقعد على الأرض، على رصيف الشارع، وبيده مرآة مكسورة يرى فيها وجهه، والصابون القذر يغطيه، وموسى الحلاق المفلولة تجري فيه، والدم ينبثق من نواحيه، ثم تمر على هذا الوجه البشري ممسحة لا ترضونها أنتم والله لمسح أحذيتكم. ويركبون مثلما يركب الناس، ولكن على عربات الكارو، العشرة على متر مربع من الخشب، محمول على دولابين من الحديد يسحبه حيوان هزيل، والعربة ترتج بهم، فترقص معدهم، وتزلزل أمعاءهم، ثم لا تصل بهم إلى نهاية الميل الواحد إلا بعد ساعة. ولهم قهوات، ولكن قهواتهم اصطبلات فيها ركائز تسمى مناضد أمامها عيدان تدعى كراسي. ولهم مطاعم ولكن مطاعمهم يقدم فيها المرض في طباق قذرة. . .

فتداركوهم قبل أن يكفروا بالإنسان، فينقلبوا حرباً عليه ليس معها أمان. أشعروهم أنه لا يزال في الدنيا فضل وعدل ونبل. ليجد كل واحد منكم على من هو دونه لا بالمال وحده، بل بالعاطفة والتواضع والإنسانية. . . الرئيس على المرؤوس، والوزير على الوكيل، والوكيل على المدير، والضابط على العريف، والعريف على الجندي، فإن كل واحد من هؤلاء هو اليوم عبد لمن هو أعلى منه، وفرعون على من هو دونه، يتكبر عليه من هو

<<  <  ج:
ص:  >  >>