والجمال والصحة والاعتلال - فهل فكر أولئك الكرام البررة الذين عناهم أمر هذه اللغة الكريمة في إعداد الوسائل التي تكفل حياتها وإن تبقى سليمة نامية، وهل أخذوا لهذا الأمر أهبته، وأعدوا له عدته؟
لقد أنبأنا الأستاذ الجليل محمد كرد علي بك في كلمته التي ألقاها في افتتاح انعقاد المجمع في ذلك الدور أن مجمع اللغة العربية يسير في أوضاعه على النهج الذي سنه الملك الأعظم (المغفور له) الملك فؤاد، وأنه (أعلى الله في الجنة منزلته) تفضل فأطلع عليه الأستاذ حين شرفه بالمثول بين يديه من نحو عشر سنين خلت قبل إنشائه مجمع اللغة. والمتتبع لسير النهضة العلمية في ذلك الوقت يجد أن ذلك التاريخ يوافق الوقت الذي كان فيه جلالة الملك الراحل يفكر في التوحيد بين المعاهد التي تقوم بتعليم اللغة العربية والشريعة الإسلامية في مصر ليكون من هذه المعاهد مجموعة مؤتلفة موحدة النظام والغاية مندمجة في الأزهر، يتخرج منها الفقهاء المشرعون والعلماء الراسخون في علوم الشريعة واللغة ليجددوا ما اخلولق من آثارهما ويحيوا ما عفا من رسومهما وليكون من هؤلاء العلماء المختصين باللغة والشريعة مدى يغذي مجمع اللغة العربية وما ينشأ على غراره من مجامع الفقه والتشريع الإسلامي لا الروماني والفرنسي، وفي سبيل تحقيق هذا الغرض الجليل ألغيت مدرسة القضاء الشرعي وبدئ في إلغاء دار العلوم، واستبدل بها نظام الكليات وأقسام التخصص في الأزهر. فترى أن مجمع فؤاد كان جزءاً متمماً لذلك المشروع الجليل الذي اختط فؤاد العظيم خطته وأراد منه إحياء اللغة العربية لغة القرآن الفصحى وأن يبعث الاجتهاد في الفقه الإسلامي من مرقده لتتوثق باللغة روابط الوحدة بين الشعوب العربية، وتسهل مشارع الشريعة فيتيسر ورودها، ويصفو وردها لجميع الأمم الإسلامية.
ذلكم هو المشروع الذي ابتكره فؤاد الملك العظيم، وأبرزته عزيمته القوية الجبارة من عالم الخيال إلى عالم الحقيقة، لإحياء اللغة العربية والشريعة الإسلامية معاً؛ فماذا كان حظ هذه المؤسسات العلمية والعالمية من الحياة، وماذا كان نصيبها من البقاء؟
فأما أقسام التخصص فقد غلقت أبوابها، إذ لم يقصدها للعلم بل لأكل العيش طلابها. وأما كليات الأزهر فقد أمست مسارح شحناء، ومسابح دماء، يسعى طلابها بالفساد ليجعلوها مثل دار العلوم مدرسة لتخريج معلمين، لا لتكوين رجال عالمين!