للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومجمع فؤاد اللغوي - وقد عرفت مكانه من المشروع العظيم - هل تراه اليوم على العهد الذي كان عليه بالأمس مجمع فؤاد للغة العربية، وهل تحسبه آخذاً بأخذه، أو متبعاً سننه الذي سنه له منشئه، أو سائراً على النهج الذي قرر رجال مجمع اللغة العربية بالأمس أنه هو النهج الأقوم الموصل إلى الغاية المنشودة من إنشاء المجمع؟

إن الذين سمعوا كلمة معالي وزير المعارف التي ألقاها في مؤتمر المجمع في دور انعقاده الحاضر في أولى جلساته في الشهر المنصرم، يرون فيها خرجاً على إجماع المجمع بالأمس، وإهداراً للقواعد السليمة التي أقرها، وتوجيهاً للمجمع في غير الوجهة التي أنشئ من أجلها، وجواربه عن سواء السبيل الذي يقول العلماء الخبيرون إنه يجب على من يريد للغة العربية الحياة والبقاء والبركة والنماء أن يسلكه.

فمعالي الوزير يدعو المجمع دعوة صريحة بل إنه ليأمره بألا يقف في طريقه إلى تحقيق مهمته عند اللغة الرسمية (اللغة العربية الصحيحة) وأن يتجاوزها إلى اللغة الواقعية البعيدة عن صحيح اللغة (وهي اللغة العامية) وأن يتقبل كل كلمة ترد إليه هجينة أو أعجمية؛ ولئن كانت كلمة المجمع بالأمس على أن العدول عن اتخاذ الفصيح من اللغة إلى الشائع على الألسنة من المحرف والدخيل يستهلك الفصيح من اللغة، ويؤدي إلى اختلاف لغات الأمم العربية وتفرقها عن لغتها الكريمة - فإن كلمة وزير المعارف اليوم على النقيض من كلمة المجمع بالأمس؛ فمعاليه يفتح الباب على مصراعيه للمحرف والدخيل، ويطلب إلى المجمع أن يسجل على لغة العرب كل ما يرد عليه من الكلمات المحرفة، وأن يحمل عليها كل ما يصل إليه على ألسنة العامة من الألفاظ الأعجمية والدخيلة؛ فقد أصبحت مهمة المجمع إذن سهلة يسيرة وأمسى عمل المجمع في نظر معالي الوزير هو الإثبات والتسجيل، وليس له في الابتداع أو الخلق والتقدير.

لقد هانت إذن مهمة المجمع، وتبخرت في الهواء تجارب المجربين، وضرب بعرض الأفق كلام الخبراء العالمين، وأمنا ما خوفنا الأستاذ جب من ضلالة الطريق ووعورته، فما بنا بعد اليوم من حاجة في سلوكه إلى استعداد له بعدة أو اتخاذ دليل أو اصطحاب رفيق. يقول معالي الوزير: إن باب الاجتهاد في اللغة العربية مفتوح فعلاً فهو ليس منتظراً أحداً حتى يفتحه. فليت شعري من هم هؤلاء المجتهدون الذي يقول معاليه أن باب الاجتهاد قد فتح

<<  <  ج:
ص:  >  >>