للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والتي يقول الله فيها: (يحذر المنافقين تنزّل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم، قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون)، والتي سماها بعضهم (الفاضحة) و (المخزية) و (المنكلة) و (المشردة) و (المدمدمة) دلالة على ما جلبت على اليهود والمنافقين من الفضيحة والخزي والتنكيل والتشريد والدمدمة. ثم تكون هي السورة التي يذكر فيها (الأعراب) الذين حول المدينة من حلفاء يهود، ست مرات.

تنزل أول سورة من القرآن، فإذا هي في اليهود والمنافقين، وتنزل آخر سورة من القرآن فإذا هي في اليهود والمنافقين ومن حول المدينة من الأعراب حلفاء يهود، وينزل ما بينهما من القرآن في عشر سنوات متواليات يصف ما كان من أمر هؤلاء، وينذرهم، ويكشف عن دسائسهم وكيدهم، فإذا بك ترى تاريخ الإسلام في هذه الحقبة - منذ هاجر رسول الله إلى أن توفاه الله - حافلاً بالغدر والكيد والتأليب ونكث العهود ونقض المواثيق. ويكون أول ذلك أن تسلم طائفة من أحبار يهود سماهم أصحاب السير والتاريخ، يسلمون نفاقاً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (كما فعل كعب الأحبار وعبد الله بن سبأ وغيرهما في عهد عمر وعثمان)، فكانوا يحضرون المسجد فيستمعون أحاديث المسلمين ويسخرون منهم ويستهزئون بدينهم، ويحدثنا ابن هشام عنهم فيقول: (فاجتمع يوماً في المسجد ناس منهم، فرآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون بينهم خافضي أصواتهم، قد لصق بعضهم ببعض، فأمر بهم رسول الله فأخرجوا من المسجد إخراجاً عنيفاً)، فهل تجد أوضح ولا أبين من هذا في صفة المتآمرين حين يجلسون يتخافتون بينهم أمراً يكيدون به ويبيّتونه؟ ويظل هذا حال المنافقين وحال اليهود معاً إلى أن يدعو الله إليه رسوله: يأوي المنافقون إلى أشياخ من اليهود يتآمرون يوماً بعد يوم عشر سنوات متواليات، ويكون على رأس هؤلاء المتآمرين رجال كأمثال رفاعة بن زيد بن التابوت اليهودي الذي أظهر الإسلام وأبطن النفاق، فيسميه المسلمون (كهف المنافقين)، لأنهم كانوا يخلون إليه، ويتآمرون فيه بليل، ويستودعون ظلام هذا الكهف السميع البصير سرَّ تآمرهم وخفي كيدهم. ورسول الله في خلال ذلك كله يجاهدهم ويرجو هدايتهم، ويظل يفعل ذلك ثماني سنوات غير قانط ولا يائس، يصلي على من مات من المنافقين ويستغفر لهم، فإذا طال ذلك أنزل عليه ربه في سورة (براءة) آخر سورة نزلت، أشد آية في القرآن خاطب الله بها عبده ونبيه محمداً

<<  <  ج:
ص:  >  >>