صلى الله عليه وسلم:(استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم، ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الظالمين) ثم ينهاه أشد النهي فيقول: (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره، إنهم كفروا بالله وبرسوله وماتوا وهم فاسقون). كلمات قاطعة وأوامر حاسمة كحد السيف!!
عشر سنوات والقرآن ينزل على رسول الله في المنافقين واليهود مقرون ذكرهما معاً!! عشر سنوات تقرأ تاريخها في كتب السيرة فلا تمضي صفحة واحدة إلا وفيها ذكر لليهود والمنافقين معاً، عشر سنوات واليهود والمنافقون معاً يؤلبون على رسول الله القبائل ويفتنون المسلمين، ويدبرون الكيد للمؤمنين والمؤمنات ولرسول الله، حتى كان ما كان من اليهودية التي دست له ولأصحابه السم في الشاة فينبأ صلى الله عليه وسلم بما فعلت، فيلفظ بضعة اللحم من فمه صلى الله عليه وسلم.
ثم ماذا؟ ثم يحدثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحدثنا منهم أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه فيقول:(كان آخر ما تكلم به صلى الله عليه وسلم أن قال: (أخرجوا اليهود من الحجاز، أخرجوا أهل نجران من جزيرة العرب). آخر كلمة ينطق بها صلى الله عليه وسلم عند آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة! آخر كلمة تجري على لسانه وهو يلبي دعوة ربه إلى الرفيق الأعلى! ويروي الرواة هذه الكلمة ويأتي علماؤنا أحسن الله جزاءهم فيقفون عند هذا الحديث ينظرون ما سرّ هذا الأمر الحازم القاطع؟ إنهم لا يهتدون إلى سر، ولا يقفون على خبر، إلا أن يقولوا جميعاً كما قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه الأموال ص٩٩:(وإنما نُراه قال ذلك صلى الله عليه وسلم لنكث كان الأمر، أو لأمر أحدثوه بعد الصلح) رويدكم أيها العلماء! إنه تأويل متهافت، ولا تجعلوا الظن أصلاً في التأويل. لقد كان أولى بكم أن تسألوا أنفسكم: أي نكث ذلك الذي كان من يهود الحجاز ومن أهل نجران؟ وكيف ذهب خبره فلم يرو لنا؟ وأي أمر ذلك الذي أحدثوه بعد الصلح؟ وكيف غاب عنا خبره؟ ولكن غفر الله لكم وجزاكم خيراً إذ لم تقطعوا برأي تدلسونه على الناس كما يفعل أدعياء العلم وكذبة العلماء في عصرنا هذا، بل قلتم جميعاً كما قال أبو عبيد القاسم بن سلام:(إنما نراه)(بضم النون) أي إنما نظنه ظناً. ولكن ما قيمة الظن في أمر كهذا الأمر؟ وكيف تريدون أن تفسروا حديثاً بظن من الظنون لم تأت