تغلبه على منافسيه وقد كانوا ما شاء الله. فافتضح أمره وانكشف كما انكشف أمر رواة آخرين. ولو كان صاحبنا قد سلك سبيل العقل وتمسك بأذيال الرزانة وشاطر الشعراء النظم وأظهر مواهبه من هذه الناحية وهي مواهب شعرية كان يعترف بها الناس ويمكن التعرف عليها من تلك القصائد التقليدية التي كان يضعها على ألسنة الشعراء ويصبها بقوالب لا تظهر عليها آثار التزييف إلا بصعوبة، لو كان قد فعل ذلك لكان اسمه اليوم بين تلك الأسماء المخلدة في صفحات شعر الدولتين بدون شك. وكان ملوك بني أمية يقدمونه ويؤثرونه ويستزيرونه فيفد عليهم وينال منهم ويسألونه عن أيام العرب وعلومها، وقال له الوليد بن يزيد الأموي يوماً وقد حضر مجلسه بم استحققت هذا الاسم فقيل لك الراوية؟ فقال بأني أروي لكل شاعر تعرفه يا أمير المؤمنين أو سمعت به ثم أروي لأكثر ممن تعرف أنك لا تعرفه ولا سمعت به ثم لا ينشدني أحد شعراً قديماً ولا محدثاً إلا ميزت القديم من المحدث، فقال له فكم مقدار ما تحفظ من الشعر؟ قال كثير، ولكني أنشدك على كل حرف من حروف المعجم مائة قصيدة كبيرة سوى المقطعات من شعر الجاهلية دون شعر الإسلام. قال سأمتحنك في هذا. ثم أمره بالإنشاد فأنشد حتى ضجر الوليد ثم وكل به من استحلفه أن يصدقه عنه ويستوفي عليه فأشده ألفين وتسعمائة قصيدة للجاهلية، وأخبر الوليد بذلك فأمر له بمائة ألف درهم.)
ولا أعتقد أن إنساناً يمكن أن يمر بهذه القصة مر الكرام بدون تعليق عليها ولا تنادر، والرواية نفسها إن صحت أنها حقيقة من حماد تبين لنا مبلغ ادعاء الرجل وإسرافه في الادعاء، وإسراف أهل الكوفة معه، وقد كان أهل الكوفة وحماد يشعرون بافتضاح أمرهم فكانوا يقولون: كان النعمان ملك الحيرة أمر فنسخت له أشعار العرب في الطنوج وهي الكراريس ثم دفنها في قصره الأبيض فلما كان المختار بن عبيد الثقفي أمر بإخراجها فأخرجت. فمن ثم كان أهل الكوفة أعلم بالشعر من غيرهم أما صاحب هذه الرواية فحماد نفسه ولك أن تقول فيها ما تريد.
والظاهر أن ما ذكره ابن سلام في كتابه (طبقات الشعراء) من أنه كان عند النعمان بن المنذر ملك الحيرة ديوان فيه أشعار الفحول وما مدح به هو وأهل بيته فصار ذلك إلى بني مروان أو ما صار منه، ويرجع إلى روايات أهل الكوفة. وقد رووا ذلك على ما يخيل إلى