للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لبيان سبب تفوقهم على أهل البصرة وسبب كثرة الروايات عندهم ولم يحدثنا أحد لا من أهل الكوفة ولا من أهل البصرة أنه رأى ذلك الديوان أو أخذ منه، ولو كان ذلك حقاً لما ترك الناس الأخذ منه ولو بأي ثمن كان.

ومن أمثلة تلاعب حماد بالرواية ما يروى من أن الخليفة المهدي سأل المفضل الضبي عن سبب افتتاح زهير قصيدته:

دع ذا وعد القول في هرم ... خير البُداة وسيد الحضر

ولم يتقدم له قبل ذلك قول، فما الذي أمر نفسه بتركه؟ فقال المفضل أني توهمته كان مفكراً في شئ من شأنه فتركه وقال دع ذا أي دع ما أنت فيه من الفكر وعد القول في هرم. فأمسك عنه ودعا حماداً فسأله فقال ليس هكذا قال زهير وأنشده:

لمن الديار بقنة الحجر ... أقوين من حجج ومن دهر

قفر بمندفع النحائت من ... ضفوى آلات الضال والسدر

فاستحلفه المهدي فأقر أنه هو الذي أدخلها في شعر زهير. فأمر المهدي أن من أراد شعراً محدثاً فليأخذه من حماد، ومن أراد رواية صحيحة فليأخذها من المفضل. وهكذا أعلنت الحكومة رسمياً كذب رواية حماد.

وهاك مثلاً آخر على كذب حماد: قدم حماد البصرة على بلال ابن أبي بردة فقال ما أطرفتني شيئاً. فعاد إليه فأنشده القصيدة التي في شعر الخطيئة مديح أبي موسى، فقال ويحك! يمدح الخطيئة أبا موسى ولا أعلم به وأنا أروي للخطيئة؟ ولكن دعها تذهب في الناس، فذهبت في الناس وهي في ديوان الخطيئة، والرواة أنفسهم يختلفون فمنهم من يزعم أن الخطيئة قالها حقاً

وهناك أمثلة أخرى كثيرة تريك مبلغ استهتار الرواة بالرواية ومبلغ استهتارهم بالناس. ولم يكن حماد أول من سن هذه السنة بل كان هنالك عدد عديد كل واحد منهم (حماد) في الوضع بل كان في هذا الوقت وقبله وضعوا أقوالاً على لسان الرسول والصحابة ثم شاعت بين الناس.

وقد اهتم صاحبنا بالكذب وباللحن وبكسر الكلام. وصاحب روايتنا هذه هو يونس بن حبيب وهو أحد المراجع التي يعتمد عليها ابن قتيبة صاحب (طبقات الشعراء) وعلماء آخرون.

<<  <  ج:
ص:  >  >>