وإليك ما قاله عن حماد:(العجب لمن يأخذ عن حماد وكان يكذب ويلحن ويكسر) وهنالك شهادة أخرى هي شهادة ابن سلام وآخرون إذ قال عنه (وكان أول من جمع أشعار العرب وساق أحاديثها حماد الراوية، وكان غير موثوق به: كان ينحل شعر الرجل غيره ويزيد في الأشعار).
أما الكذب فأمر ثابت عليه ولا أعتقد أن حماداً نفسه كان ينكر ذلك علينا لو كان حياً، ولا هو من الأشخاص الذين كانوا يرون في الكذب حرجاً، ولعله كان يجد ذلك نوعاً من أنواع التسلية وضرباً من ضروب العبث والدعابة. وأما اللحن وكسر الكلام فيجوز صدورهما منه مع علمه بالعربية وتمكنه منها لأنه من أب غير عربي ومن أصل فارسي قريب.
وكان حماد - على ما يدعيه حماد نفسه - من المقربين إلى الخليفة الأموي يزيد الثاني ومن المنقطعين له، ولم يكن هذا شأنه مع هشام بن عبد الملك فلقد كان هشام يجفوه فلما توفي يزيد وولي الخلافة هشام من بعده خاف (حماد) على نفسه واستتر عاماً عن الناس لا يخرج إلا إلى من يثق به، ثم خرج بعد ذلك. فلما كان في جامع (الرصافة) يوم الجمعة طلب الأمير (يوسف بن عمر الثقفي) وكان والياً على العراق فصار إليه فلما رآه ألقى إليه كتاباً فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله هشام أمير المؤمنين إلى يوسف بن عمر الثقفي، أما بعد فإذا قرأت كتابي هذا فابعث إلى حماد الراوية من يأتيك به من غير ترويع وادفع له خمسمائة دينار وجملاً مهرياً يسير عليه اثنتي عشرة ليلة إلى دمشق وسار حماد على جمل مهري حتى وصل باب هشام واستأذن فأذن له فدخل عليه في دار قوراء مفروشة بالرخام وبين كل رخامتين قضيب ذهب وهشام جالس على طنفسة حمراء وعليه ثياب حمر من الخز وقد تضمخ بالمسك والعنبر فسلم حماد عليه فرد عليه السلام واستدناه حتى دنا منه فقبل رجله وإذا جاريتان في أذني كل جارية حلقتان فيهما لؤلؤتان تتقدان، فقال كيف أنت يا حماد وكيف حالك؟ فقال حماد بخير يا أمير المؤمنين. فقال أتدري فيم بعثت إليك؟ قال حماد لا، قال بعثت إليك بسبب بيت خطر ببالي لا أعرف قائله. قال حماد وما هو قال:
ودعوا بالصبوح يوماً فجاءت ... قينه في يمينها إبريق