عزيمة النيل تفني الصخر حدتها ... فكيف إن مسه بالضيم إنسان
الخطيب الأول:
يذكر القراء ما كتبته في عدد مضى عن مباراة الخطابة وما لاحظته على موضوعها وهو بيت من حكم المتنبي؛ وكان ذلك في إحدى جلسات المباراة، وفي جلسة أخرى اقترح على المتبارين الموضوع التالي:(تمثل وقد جئت إلى هذه المباراة جمعاً من ثراة مصر جاؤا ينتظرون كلمتك فوجهها إليهم ولتكن غايتك حثهم على افتداء فلسطين بالمال فإن غيرهم يفتديها بالأرواح) وحدد للتفكير ساعة، وجعل للخطابة عشر دقائق، وكان بين المتبارين الشاب الأديب عبد الصبور مرزوق الطالب بكلية دار العلوم، فروي ساعة ثم تقدم يقول:
قال لي صاحبي ليعلم ما بي ... أي شئ غدوت منه حزيناً
قلت حرب وفتنة وجحيم ... في فلسطين، أين نلقى المعينا
موطن الوحي أصبح اليوم نهباً ... وعرين الأسود بات مهينا
ثم سار بعد ذلك في الموضوع نثراً، ووجدتني أسرع إلى تسجيل بعض قوله، فمنه (فلن يزيدنا عسفهم إلا إباء وثورة، ولن يزيدنا كيدهم إلا كفاحاً وقوة، ولن يفل عزيمة الشرقي أنه مهدد، ولن يحول دون نجاحه أنه مستعبد) ومنه (فقد شربنا مع الفطام كيف نجالد اليأس فنحيله أملا، وكيف نغالب الأقدار فتزيدنا أجلا، وكيف نستعذب الموت في كفاح المحن، ونستعيد الماضي وإن طال على الماضي الزمن).
وقد عاد إلى ارتجال الشعر في أثناء الخطابة فقال:
فسلوا الأرض في فلسطي ... ن أترضى من بعد طهر برجس
وسلوا المسجد المقدس عنهم ... وهو يبكي بروعة وتأس
(أمحرام على بلابله الدو ... ح حلال للطير من كل جنس)
والبيت الأخير لسوقي بك، أتى به على سبيل التضمين.
وكان عبد الصبور هو الفائز الأول في الخطابة، ولم يلق في المهرجان بالأوبرا، لأن المهرجان كان يذاع ما يلقى فيه، والإذاعة تحتم الاطلاع على النص من قبل، والخطابة ارتجال.