الهدايا والتحف؛ وكان زواجاً سعيداً موفقاً لبث مدى الحياة وإن كان غالب قد خرج بعد ذلك بأعوام قلائل على صهره المنصور، ووقعت بينهما حرب هزم فيها غالب وقتل.
لبث المنصور زهاء عشرين عاماً يقبض بيديه القويتين على مصاير الأندلس، ويسير من ظفر إلى ظفر، ويثخن في ممالك أسبانيا النصرانية؛ ولم تبلغ أسبانيا المسلمة ما بلغته في عهد المنصور من القوة والسؤدد، ولم تبلغ أسبانيا النصرانية ما بلغته في عهده من التمزق والضعف؛ وقد غزا المنصور زهاء خمسين غزوة، وجاز إلى أمنع وأنأى معاقل أسبانيا النصرانية، ومع ذلك لم يشغله تعاقب الغزو عن مهام السلام؛ فكانت الأندلس في عهده تتمتع بفيض من الرخاء والأمن؛ ووطد أيضاً سلطة حكومة قرطبة في المغرب الأقصى، وكان قد فُتح في عهد الحكم المستنصر؛ ولكن المنصور كان يفرض على الأندلس حكماً من الطغيان المطبق، وكانت وسائله العنيفة الصارمة، الدموية في أحيان كثيرة، تذكى من حوله أوار البغض والتربص؛ وكان اجتراؤه بالأخص على مقام الخلافة واستلاب سلطاتها، والحجر على صاحبها الشرعي، تقدمه دائماً إلى الشعب في ثوب الطاغية المغتصب، فكان الشعب يعجب به ولا يحبه. على أن المنصور كان يسير دائماً في طريقه، معتمداً على قوته ووسائله، لا يحفل برأي الزعماء أو الشعب؛ فلما استتب له كل أمر، واجتمعت في يده كل السلطات ثاب له رأي في الاستئثار بما بقى من رسوم الملك ومظاهره، فبدأ بالتخلي عن لقب الحاجب، وخلعه على ولده عبد الملك، وهو فتى في الثامنة عشرة؛ وتسمى بالمنصور فقط؛ ثم أصدر أمره بأن يخص دون سائر أهل الدولة بلقب (السيادة) في المخاطبات، وتسمى عندئذ (بالملك الكريم) وكانت هذه دلائل واضحة على حقيقة الغاية التي يعمل لها المنصور ويرجو أن ينتهي إليها، وهي أن ينسخ الخلافة الأموية حكماً كما نسخ سلطانها فعلاً، وأن ينشئ دولة عامرية تتمتع بمراسيم الملك والخلافة.
ولم تك ثمة معارضة يخشى بأسها المنصور؛ وكان هشام المؤيد قد أشرف على الثلاثين من عمره، ولكنه لبث خاملاً ضعيف العزم والإرادة، لا تسنده أية قوة؛ وقد سحق المنصور كل زعامة وكل قوة خصيمة، وجمع حوله الجيش. ولكن كانت ثمة قوة لم يحسب المنصور حسابها: تلك هي صبح أو (أورور) صاحبته القديمة، وعونه السابق في الوصول إلى ذرى الحكم، وفي الحجر على الخليفة واستغلال ضعفه. ثارت صبح لما تبينته من نيات