خلافاً في الصميم، فأصل القضية أن الأمم العربية ذات لغة واحدة تصوغ بها آدابها التي تجتمع في خصائص عامة، ولم يكن بين الأساتذة المتحاورين من يقول بغير ذلك، وإنما كانوا يشققون الكلام دائرين حول ذلك المحور. ولكنهم أثاروا في ضمن الموضوع مسألة الأدب الشعبي فاختلفوا فيها حقاً، فقد قال الأستاذ عجلان: أريد أن تكون حياة الشعوب العربية في فنها الرفيع صورة متحدة، وهذا يدعوني إلى أن أغضي عن الأدب الشعبي الذي لا ينفذ إلى طوايا الخلود. فقال الأستاذ حبيب: أنا لا أوافق على الغض من الأدب الشعبي، لأنه الأدب الحي الذي يمثل مشاعر الشعب وآماله وآلامه. فقال الأستاذ شوقي: أثرتما حديث الأدب الشعبي وكأنكما تجاهلتما أننا اتفقنا على ضرورة التوحيد اللغوي بين العلم العربي، فإذا فهم من الأدب الشعبي أنه لن يقوى على البقاء، فاللغات العامية في تطور وشيك، وهي بتعميم الثقافة تتعرض للتداعي، وستذهب جهود أولئك الأدباء الشعبيين هباء بعد سنوات هي وأن كثرت قليلة في عمر الزمان، وإن المصري اليوم ليعجز عن تفهم قطعة كتبت بالعامية منذ نصف قرن فقط؛ وأما أن أريد بالأدب الشعبي الذي يصور منازع الطبقات العامية ويجلو أوضاع حياتها فإن هذا الأدب أن كان مكتوباً باللغة العربية كان بقاؤه مرهوناً بالدرجة التي هو عليها من الجودة والروعة، وقد بقيت لنا روائع في الأدب العربي بقوة تصويرها لا بجلالة موضوعها ولا بأنها تمثل أدب الخاصة.
النهضة التعليمية في القرن الأخير:
هذا عنوان المحاضرة التي ألقاها يوم الخميس الأستاذ إسماعيل القباني بك المستشار الفني لوزارة المعارف بنادي اتحاد خريجي الجامعة، وقد استعرض فيها المراحل التي مر بها التعليم في مصر منذ عصر محمد علي، وعني بإبراز مشاكله الحاضرة مبيناً أن أصولها ترجع إلى ذلك العصر؛ فقد كان بمصر قبل محمد علي تعليم ديني بالأزهر والكتاتيب، وكان هذا التعليم يتفق مع الشعب وعواطفه، ولكنه لم يكن بلائم الحضارة الأوربية التي أخذ بها محمد علي في الإصلاح والنهوض بالبلاد، فلجأ إلى إرسال البعوث وإنشاء المدارس لتخريج فنيين يستعين بهم على ما اختطه من الإصلاح، فلم يكن الغرض نشر التعليم بين أفراد الشعب وإنما كان وسيلة إلى إعداد طائفة من الفنيين؛ فكان هناك تعليمان، تعليم شعبي وهو الديني، وتعليم خاص يعد الموظفين والحكام، فنشأ عن هذا مشكلة