ديوان (الزورق السكران) وقد تمكنت بينهما علاقات مريبة شاع خبرها في أوربا ثم انتهت في عاصمة بلجيكا بعد حادثة مشؤومة لا تزال وقائعها محفوظة طي إضبارة في المكتبة الملكية بتلك العاصمة. وأنا ما جئت على ذكر هذين الأدبيين إلا لأقول أن أتباعهما منتشرون في الغرب انتشار الدمامل الخبيثة. ففي أسبانيا تزعمهم الشاعر غرسيا لوركا الذي ذهب ضحية فرنكو في الثورة الأسبانية الأخيرة وقد ترك آثاراً يندى لها جبين الشعر. وفي البورتغال يعد أنطونيو يوتو في طليعتهم. أما في البرازيل فيعرفون باسم (الاعتزاليين) وهم أكثر من هموم إبليس. . . لكن المحيط البرازيلي الراقي يواجههم بالنقد القاسي والتقريع الصارم.
وهذا المذهب العاطل بما فيه من تفكك أخلاقي مهيض لأجنحة الشعر يقوم على التغزل بالرجل دون المرأة. والتغزل بالغلمان عرفه الفرس والعرب في عصر الانحطاط.
على أن ما يحيط بهذا المذهب المغري المشوق من صور ورؤى تموج في ظلال وألوان زاهية حيناً وقاتمة أحياناً وقع من نفوس أنصاره موقع التأييد والاستحسان فحسبوا غموضه إلهاماً علوياً وإباحيته فما غريباً. وفي المحاضرة التي ألقاها الأديب الكبير بول فالري عن فرلين برهان أكيد على شذوذهم وقد جاء فيها ما يأتي:
(إن السلوك الشاذ، والصراع مع الحياة القاسية، وسكنى السجون والمستشفيات، والعربدة المتصلة، ومخالطة الأدنياء، وحتى الإجرام نفسه - كل ذلك مما يلتئم والإنتاج الشعري الرفيع. والحق أن الشاعر ليس رجلاً اجتماعياً بالمعنى المعروف لهذا الاصطلاح، فما دام الشاعر شاعراً فلن يستطيع أن ينتظم في أية هيئة من الهيئات التي تنشد مصلحتها من طريق الحرص على الخلاق والقانون، فالقوانين المدنية تلفظ أنفاسها على عتبة شعره).
ويضيق بي المجال إذا جئت أعرض لكل ما هنالك من شؤون وعبر. ولكنني بإيراد مثال واحد وهو للشاعر بول جيرالدي صاحب ديوان (أنت وأنا) الذي قال عنه الفنان والفيلسوف الأسباني المشهور ميكال أوناموتو إنه من أحط ما نظمه الشعراء.
وهاته:
(وكنا اثنين، في الغاب مجتمعين، تحجبنا أشجاره عن أعين الرقباء، فإذا ساقية تسير مترنحة، وبلبل على الأغصان يغني.