واستقراره بانتهاء العصر الذي انعقد فيه؛ وذلك لأن هذا الرأي منسوب إلى بعض الظاهرية وهؤلاء لم يوجدوا إلا بعد عصر الصحابة. على أن شيوخ هذا المذهب أنكروا صدور هذا الرأي عن أحد ممن ينتمون إليهم؛ فثبوت قولهم به إن محل نظر. وحتى على التسليم جدلاً بأن خلافهم ثابت وأنه قادح في هذا الإجماع؛ فأن قدحه لا يتناول منه إلا إفادة الآية لتقييد التعدد بالأربع؛ فهو يمس ناحية الحظر في التعدد لا ناحية الإباحة التي تظل بعد ذلك قدراً متفقاً على انعقاد الإجماع على دلالة الآية عليه، وهو ما يخالف رأي الباشا القائم على الحظر وعلى أن عبارة (مثنى وثلاث ورُباع) مفيدة بظاهرها الإباحة المطلقة للتعدد الجزاف وإنها - مع ذلك - ليس مقصوداً بها حل التعدد مطلقاً ولا تفيد هذا الحكم بحقيقتها، فرأيه إذن مخالف للقدر المتفق على انعقاد الإجماع عليه قطعاً في جميع العصور. . .
ولمعالي الباشا أيضاً في دفع هذا الاعتراض - فيما يتصل بالإجماع العلمي قصة عجيبة مسلسلة الحلقات قوامها أن فترة الإسلام الأولى منذ الهجرة حتى آخر الدولة الأموية كانت عهداً مليئاً بحروب المسلمين وفتوحاتهم (والجنود في كل أمة يدللون ويتجازون لهم عن كثير من الآثام في مقابل أنهم وهبوا حياتهم. . .) والشباب من جند المسلمين كانت تتنبه فيهم الغريزة الجنسية في فترات الفراغ والراحة بين المواقع الحربية ولا سبيل لهم إلى إجابة داعيها بغير التزوج لأن الزنا محرم (لكنهم كانوا) إذ أراد الواحد منهم بعد إحدى الوقائع أن يتزوج فوق من تزوجها بعد واقعة سابقة - كانوا يجدون قوله تعالى (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) مانعاً من التعدد. . . ولكنهم من جهة أخرى يعرفون أن آباءهم وأجدادهم المسلمين متزوجون قبل وفاة النبي (أو كانوا في حياته وقبل وفاتهم هم متزوجين) بعدة من النساء ليس عليهم (أو ما كان عليهم) إلا العدل بينهن بقدر الاستطاعة عملاً بقوله تعالى فلا تميلوا - الآية، فيتأففون لسلبهم ميزة التعدد لمجرد تأخرهم في الوجود عمن أبقيت لهم هذه الميزة وهؤلاء كانوا من القاعدين عن القتال لتقدم السن بهم، لذلك كان الشباب المجاهدون يرون أنفسهم أجدر بهذه الميزة ممن خصوا بها مما دفعهم (إلى التحلل من حكم الآية، والى تعديد النساء واغتفر أولوا الحل والعقد للجنود هذا التجاوز. . . وبديهي أن السياسة الشرعية ما كانت تأبى هذا الاغتفار لأن النفع الذي كان يحدث للدين الإسلامي من استرضاء الجندي وتحصينه من الزنا أكثر بكثير من إثم التعدد)