ولكن هذا البطل الرياضي يعلم تلاميذه ويتعرض لمنازلتهم ويدعوهم إليها، فيتقدم له أصغرهم وأكبرهم على السواء، وربما تعمد أن يتمكنوا منه ليريهم كيف يكون التمكن من الخصوم. فلا يشعرون بين يديه بتلك الهيبة التي يشعر بها خصومه عند الجد في الصرع.
ونقترب خطوة أخرى فنقول: إن الطفل يهاب الرجل الكبير ولا يخطر له أنه قادر على ضربه، ولكنه إذا علم أن أباه، أو أن رجلا في قوة أبيه، يستدرجه إلى ملاكمته هجم عليه ونسى الفارق بين قوته وقوة ذلك الرجل الكبير.
وعمر بن الخطاب كان يتعمد أن يتعرض للضرب في ذلك الموقف، ويسعى بنفسه إلى ضاربيه.
وكان المشركون يعلمون ذلك من عمله ومن كلامه، ثم يعلمون أنه رد جواز خاله لأنه لا يريد أن يحتمي من ضربهم بذلك الجوار.
ومهما يبلغ من مهابة إنسان، فإن المهابة لا تمنع أن يتكاثر عليه عشرون أو ثلاثون وهم في حماسة الغيرة على العقيدة حول البيت وأصنامه. ثم ينجلي لهم الخطأ بعد التجربة (حتى يحجموا عنه ويفتر من طول الصراع) فيجلس وهم قائمون على رأسه يثلبونه، وتمنعهم مهابته مع ذلك كله أن يجهزوا عليه، وهو متعب بين الفتور.
وينبغي أن نذكر هنا أن حماسة الدين كانت تضاف إلى مهابة عمر بعد إسلامه، فإن حماسة المسلم لدينه كانت تزيد مهابته لهذا المسلم العظيم.
أما حماسة الدين في أنفس المشركين فقد كانت تثور على هذه المهابة ولا تضاف إليها. فهي هنا من أسباب الأجتراء وليست من اسباب التوقير.
وقصة الهجرة التي رواها علي رضي الله عنه هي كما قال:(ما علمت إن أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً إلا عمر ابن الخطاب، فإنه لما همّ بالهجرة تقلد سيفه وتنكب قوسه وأنتضى في يده أسهماً وأختصر عنزته ومضى قبل الكعبة والملأ من قريش بفنائها. فطاف بالبيت سبعاً متمكناً ثم أتى المحراب فصلى، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة يقول لهم: شاهت الوجوه. لا يرغم الله إلا هذه المعاطس! من أراد أن يثكل أمه أو يوتم ولده، أو يرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي. . .)
وقد عقبنا على ذلك فقلنا (إنه كان في تحديه هذا لقريش عدنان: شجاعته وعدله).