جسمه، ولسان ذهبي في فمه، وطمع أشعبي في قلبه! ولكن الهوى يعمى ويصم، والشباب يغوى ويصل، والشراب يغرى ويجرئ. فباتت لأول مرة في بيت غير بيتها، من دون إيذان لرفيقتها ولا استئذان من أختها!
وفى الصباح أفاقت المسكينة من سكرة الهوى فأحست بعقرة الذئب! فقالت له وهى تمزج الدم بالدمع: ما علاج هذا الأمر وأخي لا يزال على حفاظ أهل الصعيد: يفرق بين الحرية والإباحة، وبين المدنية والتبرج؛ فهو يسامح إلا في الشرف، ويغضي إلا عن العرض؟
فأجابها الفتى باسماً: العلاج الزواج! وكان قد علم من قبل أن لها مالا مدخراً وأرضاً مستغلَّة؛ فالزواج له فرصة، ولكنه لخالتي غصة. فقالت له: إن أسرتنا تشترط في الزواج التكافؤ في الطبقة والثروة؛ وحالك على ما أرى لا تطمعك في رضا أهلي. فقال لها الفتى في إصرار وقوة: المهم أن نستر بالزواج جريمة العرض؛ أما جريمة الفقر فجريرتها هينة، وعقوبتها محتملة. وسنجابه أخاك بالأمر الواقع فيثور قليلا ثم يسكن، ويغضب طويلا ثم يرضى.
وصارحت الأخت أختها بالحادث والحديث؛ فباركت أمي الخطبة وأقرت الزواج. واتفقت الحماة والعروسان على ليلة العقد وحفلة الزفاف. وتسامع الناس بالخطبة المفاجئة والقران الخفي، فظنوا الظنون، وتقولوا الأقاويل؛ وأبرق بعضهم بهذه الشائعات إلى خالي فلم يبت إلا في القاهرة.
تطلب منى المحال إذا طلبتَ أن أصف لك كيف دخل خالي الصالون فوجد المأذون وبيده الدفتر، وأبى وبإزائه العريس، وأمي وبقربها العروس، والبواب وبجانبه الشاهد الآخر، وهؤلاء جميعاً شملهم السكون وغشاهم الوجوم؛ فكأنهم يودعون مريضاً يُحتضَر، أو يشيعون ميتاً يدفن. . . تصور أنت بخيالك هذا المنظر الأليم على ما يكون المجلس عبوساً وجهامة، وفي أشنع ما يكون الجلوس خزياً وندامة.
سلم خالي إيماءً باليد ثم جلس وعيناه تلتهبان من الحنق، وشفتاه ترتجفان من الغضب، والتفت إلى أمي وقال لها بصوت فيه روعة القضاء ورهبة القدر: متى كنا يا فلانة نزوج بناتنا في مثل هذا المكان، ومن مثل هذا الإنسان، في غيبة عن الأهل وخفية من الناس؟ لقد سبقتمونا إلى (المدنية) فلم يعُد رأينا متفقاً في معنى الشرف، ولا شعورنا متحداً في