نحكم بحول أبي العيناء قبل عماه من الروايات الكثيرة المتفاقرة التي نذكر منها على سبيل المثال محاورة لطيفة دارت بين أبي العيناء ومحمد بن خلف بن المرزبان.
قال أولهما للثاني: (أتعرف في شواء المحدثين رشيداً الرياحي قال محمد بن خلف: لا. قال أبو العيناء: بل هو القائل في:
نسبت لابن قاسم مأثرات ... فهو للخير صاحب وقرين
أحول العين والخلائق زين ... لا احولال بها ولا تلوين
ليس للمرء شائناً حول العيـ - ن إذا كان فعله لا يشين
فقال أبن خلف: وكنت قبل العمة أحول! أفمن السقم إلى البلى؟ فقال أبو العيناء: هذا أظرف خبر تعرج فيه الملائكة إلى السماء اليوم. ثم قال: أيما أصلح؟ من السقم إلى البلى أو حال العجوز - أصلحها الله - من القيادة إلى الزنا؟)
هذه رواية معجم الأدباء وشبيهة بها - مع اختلاف في اللفظ يسير - رواية تاريخ بغداد (ص ١٧٥ ج٣)
والمحاورة فيها إذا ختمت بالدعاية، فقد بدئت بأقوى مظاهر الجد؛ لأن الفخر كان وما يزال حديث النفس. وحديث النفس كان وما يزال مستمداً من أعماق الشعور، والشعور كان وما يزال حاسة الواقع: فليس بغريب أن يستمد فخور بنفسه كأبي العيناء من واقعه ومن نظرة الناس إلى واقعه مدعاة إلى الاعتزاز والتعالي ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
وهنا تبرز جوانب خاصة من شخصية هذا الظريف تبعثنا على أن نؤكد لك أنك ستبحث في طوايا الأدب العربي طويلاً حتى تجد ظريفاً كأبي العيناء يحسن الهزل في جده كما يحسن الجد في هزله، فيمزج بينهما مزجاً يحيرك، ثم لا تدري: أتلتمس من بين غصون شعره أو نثره حقيقة ترضيك، أم خيالاً يلهيك!
فهو مثلاً يريد أن يتغاضى عن حوله بعد إلى تناسي عيبه، ويمعن في اظهارك على بعض ما أورثته الحول من الخيرات، وما حمل إليه من البركات، وما أنقذه من المآزق المحرجات، ويثني على الله هذا الثناء الذي قلما نسمع بمثله ولا من مثله:
حمدت إلهي إذ بلاني بحبها ... على حولي يغني عن النظر الشرر
نظرت إليها والرقيب يظنني ... نظرت إليه فاسترحت من العذر!