- ألا تظن يا سليمان أن العذاب في الحب عذب، وان الموت في سبيله شهادة، وان هذه الساعة التي نلتقي فيها على غفلة من الرقيب بين الخوف والأمن، وبين اليأس والرجاء، أدنى إلى الحب الصحيح والسعادة الحق من العيش الغرير الناعم على مهاد الرذيلة؟
- أن العشاق يا بهيرة لا يعشون بعقول الخليين ولا يخضعون لقوانين المجتمع
- واسلس لسليمان الدمع والكلام فأوشك أن يحمل بهيرة على راية لولا أن قرع باب المقصورة قارع عنيف، فاستطير قلب العاشقين من الرعب، وأيقنا بالهلاك المحتم
- وفتح الباب ودخل مسرور قهرمان القصر وسيد الموالى وحاجب الرشيد، ومعه نفر من الحراس، فأمر بالقض على سليمان، وكان قد سمع بآذان جواسيسه ما دار بالحديث بينه وبين بهيرة.
- ٤ -
سيق العاشقان إلى مجلس الخليفة الخاص متهمين بانتهاك حرم الخلافة، والمؤامرة على الفرار، والخلوة الأثيمة. فأسالهما عن جلية الخبر فأجاباه بصحته. واستفهم الشهود عن تفاصيل الحديث فأدلو به على نصبه. فكان الخليفة مفتوناً ببهيرة لما جرب به عليها من الوفاء والذكاء والصدق فعفا عنها، ودفع بسليمان إلى مسرور ينفذ فيه حكمه
فتقبل العاشق المنكود الحكم عله قبول من راض نفسه على التسليم بالقضاء المحتوم والأمر الواقع.
وذهب به الموالي إلى لقاء الموت، ولبثت بهيرة في حضرة الخليفة شاخصة لا تطرف، واجمة لا تنطق، كأنما أخرجها الجمود عن الحياة، وفصلها الذهول عن الوعي. ثم رأت بعينيها في سكون، وحركت لسانها ببطء، وألقت بنفسها على قدمي الخليفة وهي تقول:
مولاي: إني اعلم أن الجريمة إذا مست الشرف ضاق بها العفو وقصرت عنها الشفاعة؛ ولكني اعلم كذلك أن حلمك لا يستحقه غضب، وعفوك لا يتعاظمه ذنب. فهب لي دم سليمان فقد جنى عليه حبي، وسعى إلى عدمه وجودي. وهو يا مولاي صادق النية سري الخلق بريء الساحة.
فقال لها الخليفة: أن هذه الجريمة تنسى بوجهها الوقاح صورة الرحمة. فاسأليني ما شئت إلا العفو، فأني لا امنح إلا ما املك.