للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وضعف في يقينه، وزلزلة في عقيدته.

دخل يوماً على المتوكل فقدم إليه طعام؛ فغمس لقمته في خل كان حاضراً وأكلها. فتأذى بالحموضة، وفطن الخليفة له فجعل يضحك. فقال: (لا تلمني يا أمير المؤمنين! فقد محت حلاوة الإيمان من قلبي)!

وإن رجلاً يعرض بمحو حلاوة الإيمان من قلبه ليستر امتعاضه بدعابته - لرجل صريح ما في ذلك ريب. ومثله لا يرى في بذاءة اللسان عند اللزوم إلا وصفاً للواقع، فهو في سفاهته يتحدث عن صراحته، لا يسأل عمن أمامه، ولا يكترث بما يحيط به. . .

كان المتوكل يكره التشيع لعلي بن أبي طالب وآله. فسأل أبا العيناء: (هل رأيت ببغداد منذ ثلاثين واحداً. قال: نجده كان مؤاجراً (يؤجر نفسه) وكنت أنت تقود عليه. فقال: يا أمير المؤمنين أو يبلغ هذا من فراغي؟ أدع موالي مع كثرتهم وأقود على غرباء؟

فقال المتوكل للفتح: أردت أن أشفي لهم مني!) وهذه صراحة منفعة النظير لم يشجع أبا العيناء عليها استخفاف المتوكل بالطالبين ورميه إياهم بعبارات لا تليق بقدر ما شجعه عليها اعتقاده الخاص بآل البيت ورغبته في إفحام الخليفة نفسه. ولست أ ' ني بهذا أنه كان متشيعاً لآل البيت، فما يكون يأبه لشيء من هذا، وإنما كان يكون لنفسه رأياً خاصاً في كل من يلفاه: يصاحب من يريد، ويخاصم من يريد، ويهمه - قبل كل شيء - إلا يعلو عليه مخلوق.

وكما ظهر أبو العيناء بمظهر المدافع عن آل البيت ليفحم الخليفة المتوكل بجوابه، خاصم يوماً علوياً ولم يكترث بتشيعه. فقال له العلوي: (تخاصمني وقد أمرت أن تقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد؟ فقال: لكني أقول الطيبين الطاهرين فتخرج أنت!).

فالرجل معارض من الطراز الأول، ومولع بأن تظفر معارضته حيث كان، وأمام كل إنسان مهما كان؛ ولكنه إذا سمع ما فيه مقنع لنفسه بعد طول الحوار يرضى به ويبدي إعجابه ولو صدر من صبي أو غلام. نعرف هذا من قوله (أخجلني ابن صغير لعبد الله ابن خاقان قلت له: وددت أن لي إبناً مثلك. قال: هذا بيدك! قلت: كيف ذلك؟ قال: تحمل أبي على امرأتك فتلد لك ابناً مثلي).

وأظن هذا عائداً إلى صراحته حتى بعثه إعجابه بالصغير على الخجل منع وعلى تسجيل

<<  <  ج:
ص:  >  >>