هذا الخجل على نفسه. فلا تتغرب منه بعد ذلك أي موقف أمام المتوكل وغيره وترك فيه نفسه على سجيتها، ولم يتكلف ولم يصطنع.
أنظر إليه وقد دخل على عبيد الله بن عبد الله بن ظاهر وهو يلعب بالشطرنج فقال: في أي الحيزين أنت؟ فقال: في حيز الأمير أيده الله. وغلب عبيد الله فقال: يا أبا العيناء قد غلبنا. وقد أصابك خمسون رطل ثلج. فقال ومضى إلى ابن ثوابه وقال: أن الأمير يدعوك. فلما دخلا قال: أيد الله الأمير؛ قد جئتك بجبل همذان وما سبذان ثلجاً فخذ لمداعبة الأمير غلا ابن ثوابة، فاتهمه بالبرودة وجعله جبلاً من الثلج؛ فما رجا لأبن ثوابة وقاراً، ولا استحيا من الأمير!
وموقفه مع جميع الأمراء كمواقفه مع الدهماء. ولقد حجبه أمير ثم كتب إليه يعتذر منه فقال:(تجابهني مشافهة وتعتذر إلى مكاتبة؟)، وشكا تأخر أرزاقه إلى عبيد الله بن سليمان، فقال له:(ألم نكن كتبنا لك إلى أبن المدبر؟ فما فعل في أمرك؟ قال: جرني على شوك المطل، وحرمني ثورة الوعد. فقال: أنت اخترته. فقال: وما عليّ وقد (اختار موسى قومه سبعين رجلاً) فما كان منهم رشيد (فأخذتهم الرجفة)، واختار النبي صلى الله عليه وسلم أبن أبي سرح كاتباً فلحق بالمشركين مرتداً، واختار علي أبن أبي طالب أبا موسى الأشعري حكماً فحكم عليه؟).
أما نوادره مع الوزراء فأكثر من أن تحصى، وأبدع من أن تروى، ولا معدي لنا عن ذكر بعضها من غير تعليق تمثيلاً للقارئ وترويحاً عن نفسه:
دخل على أبي صقر إسماعيل بن بلبل الوزير فقال له:(ما الذي أخرك عنا يا أبا العيناء؟ فقال: سرق حماري. فقال: وكيف سرق؟ قال: لم أكن مع اللص فأخبرك. قال: فهلا أتيتنا على غيره؟ قال: قعد بي عن الشراء قلة يساري، وكرهت ذل المكارى ومنة العوارى).
ووعده ابن المدبر يوماً أن يعطيه بغلاً، فلقيه في الطريق. فقال:(كيف أصبحت يا أبا العيناء. فقال أصبحت بلا بغل) فضحك منه وبعث به إليه.
وحمله وزير على دابة؛ فانتظر علفها. فلما أبطأ عليه قال:(أيها الوزير! هذه الدابة حملتني عليها أو حملتها عليّ!).
وكان يتطاول على الوزير أحمد بن الخصيب حتى وضع كتاباً في ذمه حكى فيه: (أن