فإذا صلح الضمير صلح المجتمع من هذا الطريق.
وإذا سلمنا بالتطور فمعنى التطور أن يكون هناك عيب يتبعه كمال، وأن يكون هناك خطأ يتبعه صواب، وأن يكون هناك سيئ يتبعه حسن، أو حسن يتبعه ما هو أحسن.
فلا يصح أن يكون النقص دليلا على فساد النظام كله، لأن التدرج يستلزم وجود النقص في كل طور من الأطوار، أملا فيما يعقبه من التمام والصلاح.
وليس الصلاح على كل حال هو منع التفاوت بين الناس.
لأن التفاوت سنة من سنن الحياة، بل علامة من علامات الارتقاء في هذه الحياة.
لا تفاوت بين ذرة وذرة من ذرات الجماد.
لا تفاوت بين خلية وخلية من خلايا الجراثيم.
لا تفاوت بين حشرة وحشرة من صغار الحشرات.
ولكن التفاوت يزداد كلما ارتقى الكائن الحي في معارج الحياة، ولا يزال هذا التفاوت مطرداً حتى يبلغ غايته في الإنسان، فيصبح الفارق بين إنسان وإنسان كالفارق بين الأرض والسماء تلك هي علامة التطور والارتقاء.
ومع هذا التفاوت الذي يلازم الارتقاء، لا معنى لإلغاء التفاوت في المراكز والأرزاق.
نعم إن المساواة واجبة في الحقوق، ولكن هذه المساواة لا ينبغي بحال من الأحوال أن تكون مساواة بين حق المجتهد وحق الكسلان.
لأن المساواة بين المجتهد والكسلان تجنى على الكسالى أنفسهم قبل جنايتها على المجتهدين.
فالحياة كلها حافز واستجابة وليس في الحوافز البشرية حافز أقوى من حافز الخوف من عاقبة الكسل والإهمال، إذا رأى الناس أن الكسل والإهمال يحرمان صاحبهما حظه من الرزق والطمأنينة.
فإذا زال هذا الحافز زال الباعث على التقدم والنشاط واستخدام القوة الكامنة في كل بنية حية، وأنحدر الإنسان إلى حضيض الحيوان
وإذا حدث هذا فالبلية فيه اعظم جداً من بلية آحاد من الناس يطبخون الحصى في وقت من الأوقات، لأنها بلية تحيط بالطبيعة البشرية كلها وتقضي على جميع حوافز الحياة.