ومحمد بن العباس بن تجيح، وأبو بكر الآدمي القاري، وأحمد بن كامل القاضي - قال: ولم يسند من الحديث إلا القليل. والغالب على رواياته الأخبار والحكايات وروي عنه - لإظهار ضعفه - حديثاً ذكر سنده ثم حكم عليه بأنه غريب. وفي هذا الحديث أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بطائر فقال: اللهم آتني بأحب خلقك إليك يأكل معي، فجاء علي فحجيته مرتين، فجاء في الثالثة فأذنت له. فقال: يا علي ما حبسك؟ قال: هذه ثلاث مرات قد جئتها فحجبني أنس. قال: لم يا أنس؟ قال سمعت دعوتك يا رسول الله، فأحببت أن يكون رجلا من قومي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(الرجل يحب قومه)
علق الخطيب على هذا الحديث بقوله: غريب بإسناده لم نكتبه إلا من أبي العيناء محمد بن القاسم عن أبي عاصم، وأبو الهندي مجهول - وهو أحد رجال السند - واسمه لا يعرف؛ ثم نقل عن أبي الحسن الدارقطني قوله:(أبو العيناء ليس بقوي في الحديث) وأكد هذا ابن حجر في (لسان الميزان) ثم روي عنه أنه قال: (أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك) وهذا الحديث الباطل من أساسه قد سبقت الإشارة إليه.
ولم يستحي أبو العيناء مدى حياته من تكرار رواية هذا الحديث الموضوع حتى قال إسماعيل بن محمد النحوي:(كان أبو العيناء يحدث بذلك بعدما مات الجاحظ).
وروي عنه ابن حجر أيضاً حديث (مثل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل العين، ودواء العين ترك مسها) وعلق عليه بقول الدارقطني: (لم يروه غير أبي العيناء).
ولست أستغرب أن يضعفه حفاظ الحديث، فإن رجلا يعترف بجريمة الكذب على رسول الله ثم ينشر كذبه جدير به أن يتخيل ما شاء ليرضي ملكة الكذب المسيطرة على لسانه. وحريٌّ أن يضحك ما طاب له ليبقى ضاحكا مدى الحياة لذلك كان أسلوبه واحداً لا يتغير: فلسانه سليط مع الجميع، وربما كان أكثر تمكناً من الاسترسال مع العاديين من الناس لأنه لا يجد من الفارق بينه وبينهم ما يمنعه من التظرف كيف شاء.
قال له ابن الجماز يوماً:(هل تذكر سالف معاشرتنا؟ فقال: إذ تغنينا ونحن نستعفيك؟) وقالت له قينه: (هب لي خاتمك وأذكرك به. فقال لها: اذكري أنك طلبته مني ومنعتك)
وهو إذا استطاع أن يخفض من قدر محدثه ليكبر من قدر نفسه لا يتورع ولا يحتاط: