للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أرسلهم زورا وبهتانا، دون أن يكمن وراء ذلك ما يكون كفاء لهذه الكذبة البلقاء، ليس ببعيد عندي أن الإخباريين اختلقوا وتزيدوا، وأرادوا مادة للسمر والتفكه فالتمسوها في المجانين، والحمقى، وفي هؤلاء. ولعل اختيارهم لهذا النوع كان اختياراً موفقا إلى حد بعيد. نعم روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون رجلا كلهم يدعي النبوة. ولكن نحن لا ننكر أن قوماً ادعوا النبوة كما أنا لا نسلم - كذلك - أن هذه الأخبار كلها وقعت بالفعل. ومهما يكن من شيء فإن أحق جانب بالنظر في أخبار هؤلاء هو جانب الفكاهة والممالحة. على أن أصحاب السمر لم يخلوا المتنبئين القدامى من لاذع نكاتهم. وما أشك في أن قصة زواج مسيلمة بسجاح وأنه اختدعها عن نفسها وأمهرها بإقساط صلاتين عن قومها، ما أشك في أن هذه القصة وضعها مازح مفحش خبيث.

أما أخبار متنبئ العصر العباسي فإنها تدلنا في جملتها على أنهم كانوا على حظ عظيم من الحيلة وحسن التخلص أو هكذا أراد لهم الوضاع.

ادعى رجل النبوة في عهد المهدي فأدخل عليه فقال: أنت نبي؟ قال: نعم. قال: متى نبئت؟ قال: وما تصنع بالتاريخ؟ قال: ففي أي المواضع جاءتك النبوة؟ قال: وقعنا - والله - في شغل! ليس هذا من مسائل الأنبياء، إن كان رأيك أن تصدقني في كل ما قلت فاعمل به، وإن كنت عزمت على تكذيبي فدعني أذهب عنك. فقال: المهدي: هذا لا يجوز؛ إذ كان فيه فساد الدين، قال: وا عجبا! تغضب لدينك لفساده، ولا أغضب أنا لفساد نبوتي؟ ثم قال المهدي: أحاكمك فيما جاء به من قبلي من الرسل، قال: رضيت، قال أكافر أنا عندك أم مؤمن؟ قال: كافر، قال فإن الله يقول: (ولا تطع الكافرين والمنافقين، ودع أذاهم) فلا تطعني ولا تؤذني، ودعني أذهب إلى الضعفاء والمساكين فإنهم أتباع الأنبياء، وأدع الملوك والجبابرة فإنهم حطب جهنم. فضحك المهدي وخلى سبيله.!!

وإذا كان هذا لجأ إلى آية من كتاب الله يستند إليها ويتخلص بها فإن غيره كان يعتمد على النكتة البارعة، والأضحوكة الآخذة، يتلمس بها الخلاص من قبضة الخليفة وبطشه. . . أتى المأمون بإنسان تنبأ فقال له: ألك علامة؟ قال: نعم. علامتي أني أعلم ما في نفسك! قال المأمون: قربت علي، ما في نفسي؟ قال: في نفسك أني أكذب! قال: صدقت، وأمر به

<<  <  ج:
ص:  >  >>