للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فظهرا كأنهما عينا وحش تحدقان فينا. ومر القطار يهدر ويتعالى دخانه وصفيره عند عبوره الجسر الحديدي، وعاد الصمت يخيم تدريجيا على الأرض الشاسعة.

ووقف الرجل على قدميه وصاح وهو يشير إلى القطار المبتعد (اذهب، اذهب، اذهب، بعيدا، بعيدا، انك تنساب كالتنين، والنار في داخلك، النار التي وضعها فيك الشيطان)

ولن أنسى ما حييت منظره وهو واقف في هذه اللحظة. . ولم يهدا انفعاله إلا بعد أن تلاشى صوت القطار وعاد الصمت يخيم على الطبيعة.

وعندما كنا في طريقنا إلى الدار كان لا يزال غارقا في أحلامه.

وفي ذات صباح جميل من سبتمبر ذهبنا إلى البحر. إن ذلك الاتساع السرمدي للماء الأزرق العميق كان ممتدا حتى الأفق المتألق، وكانت قوارب الصيد تبحر أزواجاً، فتظهر كأنها طيور هائلة الحجم مجهولة النوع، قد نشرت أجنحتها الصفراء القرمزية. وكانت الهضاب الرملية النحاسية ترقد على طول الساحل خلفنا وقد لاحت من ورائها الكتل الضخمة الخضراء من مزروعات شجر الصفصاف.

قال في صوت خافت وكأنه يخاطب نفسه في لهجة التعجب والشعور بالخوف (يا لهذا البحر الخضم الأزرق الضخم! ويا لهذه الأسماك الضاربة المفترسة! إن (أراكس) هناك سجين في قفص من حديد، يصيح فلا يسمع أحد صيحاته. انه لن يرجع ثانية. وهذه السفينة السابحة في الماء، إنها نجلب الموت لكل من يشاهدها؟

ثم صممت. . واقبل على الشاطئ حتى غمرت الأمواج البيض الصغيرة قدميه. من يدري ما الذي كان يحدث داخل عقل المسكين الضعيف؟

وبينما نحن مقبلان على الدار وقد التزم الصمت طول الطريق نظرت إليه فاخبرني قلبي بأشياء غريبة.

وهمس أخيراً في صوت خافت وهو يأخذ بيدي (إن لك أما في منزلك ننتظر أو بتك لتقبلك) كانت الشمس تغرب في الماء الصافي خلف الجبال، والنهر يتلألأ بشتى الانعكاسات.

فسألته والدموع تتساقط من عيني وانت، اين والدتك؟) فنظر إلى عصفورين في الطريق، والتقط حجرا سدده كأنه بندقية في يده، ثم أطلقه عليهما، فوليا كأنهما السهام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>