وصاح وهو يراقب طيرانهما في السماء اللامعة وهو يضحك في صخب (طيرا. . طيرا. .)
ومرت الأيام فلاحظت فيه تغيرا، كأنما أصابته الحمى. كان ينطلق مسرعا إلى الحقول كأنه الجواد حتى يقع على الأرض مبهور الأنفاس، أو يرقد الساعات مفترش الثرى دون حراك يحدق بعينه في وهج شمس الظهر المحرقة. وعندما يقبل المساء كان يلقى بمعطفه الأحمر على كتفيه ويتنزه جيئة وذهابا في الميدان، يختال في خطوات طويلة بطيئة كأنه عظيم إسباني. وكان يتحاشاني، ولا يجلب لي الزهور. وتألمت لهذا الهجر. كان الناس يدعون بأنه سحرني. وفي ذات صباح ذهبت قاصدا لقياه. ولكنه لم يرفع عينيه، بل احمر وجهه كأنما مسته نار. فصحت في اضطراب (ما الأمر؟)
- لا شيء،
- بل هناك شيء.
- لا شيء.
- هذا غير صحيح.
ولاحظت انه ينظر أمامه بعينين متقدتين، فالتفت، فوجدته يتطلع إلى فتاة ريفية حسناء واقفة أمام مدخل حانوت
وتمتم وقد شحب لونه:(تريزا) ففهمت إن الرجل المسكين كان يتخيل في هذه الفتاة غادة بلدته التي أثرت على قواه العقلية
وبعد يومين قابلها في الميدان، فاقترب منها مبتسما وهو يقول:(إنك أكثر جمالا من الشمس. فلطمته بقوة على وجهه)
كان هناك بعض الصغار بالقرب منهما، فجعلوا يسخرون منه بعد أن تركته الفتاة وحيدا مصدوماً باهتاً، وابتدأت بقايا الخضر تطير فترتطم في وجهه. والتفت إلى الصبية، وهدر كالثور الجريح، ثم أمسك بواحد منهم وألقاه على الأرض كأنه من الأسمال.
ورايته، يمر أمام نافذتي بين أيدي اثنين من رجال الشرطة مقيدا، والدم يسيل من لحيته منحنى الظهر، مرتعش الجسد، والناس من خلفه يضحكون ويسخرون. نظرت إليه فامتلأت عيناه بالدموع.