والشام. على من دونهم من الأنام وهذا باطل ودعوى عدوان. وحمية لأوطانك وما جاورها من البلدان. فالجواب أن الكلام في التورية لا غير. من هنا تنقطع المادة في السير. ومن ادعى أنه يأتي بدليل وبرهان فالمقياس بيننا والشقراء والميدان).
وبعد فما هي التورية؟ قال ابن حجة يعرف بها:
(هي أن يذكر المتكلم لفظا مفردا له معنيان حقيقيان أو أحدهما حقيقة والآخر مجاز. أحدهما قريب ودلالة اللفظ عليه ظاهرة والآخر بعيد ودلالة اللفظ عليه خفية. فيريد المتكلم المعنى البعيد ويورىعنه بالمعنى القريب فيتوهم السامع لأول وهلة أنه يريد القريب وليس كذلك).
والتورية - كما يرى القارئ - تحتاج إلى إلمام باللغة وإلى نزعة أدبية سلمية، وإلى لطافة في الحس. وهي إحدى طرف أداء المعنى. والفرق بينها وبين أداء المعنى في حيز الدلالات اللفظية هو الفرق بين الأدب واللغة. والمورى مجدد لأنه يضع أمام السامع صورا من المعاني عدة متشابكة في بعض أجزائها، متماسكة في بعض ملابساتها، فيدفع السامع إلى التنقل بخياله والتجول بفكره بين صورها الشتى حتى يقع خاطره على المعنى المقصود، دون أن يشعر بثقل أو يحس بجهد، بل بالعكس يتنقل بينها كما يتنقل بين أجزاء روضة، وبين ثنيات بستان، ويكون لذلك أثره فيه فيلطف حسه ويرق خياله ويتسع تصوره، وهذه دعائم نفسية تقوم عليها دولة الأدب. وقد نقل ابن حجة قول الزمخشري في التورية حيث قال:(ولا نرى بابا في البيان أدق ولا ألطف من هذه الباب، ولا أنفع ولا أعون على تعاطي تأويل المشتبهات من كلام الله وكلام صحابته رضى الله عنهم أجمعين. فمن ذلك قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) لأن الاستواء على معنيين أحدهما الاستقرار في المكان، وهو المعنى القريب الموري به الذي هو غير مقصود، لأن الحق تعالى وتقدس، منزه عن ذلك. والثاني الاستيلاء والملك وهو المعنى البعيد المقصود الذي ورى عنه بالقريب المذكور) - ويهمنا من كلام الزمخشري حديثه عن التورية. أما ما استشهد به من القرآن الكريم ففيه نظر. لأنه كان يدين بالاعتزال.
ومع ذلك فيه نظر من ناحية أخرى، إذ يعتبر تأويله هنا من باب الكناية مثلالا من باب التورية. وهذا يجرنا إلى الإشارة إلى أن التورية - في جوهرها وفيما نشعر - ليست في حدودها الضيقة التي وضعها فيها علماء البلاغة بل أنها أوسع نطاقا وأبعد آفاقا. أو أنها