على الأقل ذات صلة وثقى بأنواع البلاغة والبديع، كالكتابة والمجاز والإلغاز والمحاجاة والتوجيه والتلميح والإبهام والجناس، وأن بينها وبين هذه الأنواع أمورا متشابهة لا نفرق بينها إلا دقائق معنوية، وهذه الأمور تشعرنا بأنها جميعا تمت إلى التورية بأوثق الصلات. على أن هذا موضوع يحتاج إلى بحث ومعاودة ونظر جديد. فلنتركه الآن لنطرف القارئ ببعض نماذج التورية التي أثرت عن أدباء العصر المملوكي، وكثير منها في الغزل والوصف والشكوى والمدح والإخوانيات. ومنها ما يلي:
كان السراج الوراق مقيما بالروضة، فكتب إليه نصير الدين الحمامي موريا بها فقال:
كم قد ترددت للباب الكريم لكي أبل شوقي وأحيي ميت أشعاري
وأنثني خائباً مما أؤمله ... وأنت في روضة والقلب في نار
فكتب إليه السراج الوراق:
الآن نزهتني في روضة عبقت ... أنفاسها بين أزهار وأثمار
أسكرتني بشذاها فانثنيت بها ... وكل بيت أراه بيت خمار
فلا تغالط فمن فينا السراج ومن ... أولى بأن قال إن القلب في نار
وقال أبو الحسن الجزار موريا بصناعته:
إني لمن معشر سفك الدماء لهم ... دأب وسل عنهم إن رمت تصديقي
تضئ بالدم إشراقاً عراصهم ... فكل أيامهم أيام تشريق
وقال الجزار موريا بلفظ (المطوق):
أنت طوقتني صنيعا وأسمعتك شكراً كلاهما ما يضيع
فإذا ما شجاك سجعي فإني ... أنا ذاك المطوق المسموع
وقال دانيال الموصلي موريا في (قوم):
أيا سائلي عن قد محبوبي الذي ... فتنت به وجداً وهمت غراماً
أبى قصر الأغصان ثم رأى القنا ... طوالا فأضحى بين ذاك قواما
من توريات الشباب الظريف في كلمة (باقل):
ولو أن قسما واصف منك وجنة ... لأعجزت نبت بها وهو باقل
ومن توريات جمال الدين بن نبانة في كلمة (راحة):