(١٣ - إن هذا الإسم لسرُّ تهمس به الطبيعة في الخلوات، كما تحفظه السموات!
وكلما طلع الفجر أفضى بهذا السر، وكلما تسامر كوكبان، كان صداهما الشجي الفتان!)
ويفرح الشاعر بما ألقى إليه الهاتف، ويظن أنه وقف منه على السر المنشود، وأنه قد وصل به إلى اسم المعبود، فما عليه إلا أن يسهر ليله فيسمع الكواكب السامرة، أو يثب مع الفجر ليعي أسراره الباهرة. . وفي هذين الوقتين السعيدين يريد أن تمسي كلها حواسه أُذناً تسمع وقلباً يعي؛ بل يريد أن تمسي العواصف والأعصار، والأرض والنيران والبحار كلها آذاناً صاغية، لأن من سكت في هذين الوقتين فإنما يسكت لنفسه، ومن ضج فإنما يضج عليها. ويريد من الرياح أن تقف لتتعلم هذا الإسم بعد أن طربت بألحانه، ومن السموات أن تسترجعه وتردده بعد أن ثَملت بخمرة عرفانه: فقد (خشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً).
(١٤ - إن العواصف والإعصار، والأرض والنيران والبحار، خليقة أن تسكن لسماعه!
وإن الرياح الطَّروبَ بألحانه، حرَّيةٌ أن تقف لعرفانه، والسموات لاسترجاعه!)
وما أحوج المتألم إلى ذكر هذا الإسم العظيم وترداده، لأن لموسيقاه رنة تشفي السقيم؛ ومن أجد من لامرتين بالراحة وهو تعب، وبالشفاء وهو عليل، وبالسرور وهو حزين؟
لقد كان في الأثناء مضطرب الفكر، موزع النفس، متزايل المشاعر، حتى أنه نظم قصيدته المعروفة (ما لورحي حزينة فلم يكن أحب إلى قلبه من وسيلة يتحول بها من أزمات نفسه الحادة إلى السكينة والاستقرار
ألا وإنه قد وجد هذه الوسيلة، وهي التي ستأسو ما جرحته يد الحياة، وهي التي ستحيل وادي أزاحه جنة أفراح. فليقذف بحزنه بعيداً، وليلق بأسأه ظهرياً، وليستدبر كل ما يعكر عين قلبه، وليستقبل الحياة من جديد برضا وارتياح!
وتغمره السعادة وتلابس روحه، ويضع في كفه ميزان ما نال من لذتها الحاضرة وفي كفة أخرى ما لازمه من ألم التعاسة الماضية، فيجد نعيمه أرجح، ويلقي التذاذه أغلب، فلا يقيم لطول الزمن وقصره وزناً، ويرى أن لحظة إيمانه تعادل إعدام حياته، ويخشى أن تفارقه هذه السعادة التي لا يمكن أن تدوم لأنها بسعادة الملائكة أشبه، وهي بين البشر كالنسيم