ويحدث له التعبير المشرق (في رسالة في الحيلة لدفع الأحزان) لا يقع له الغموض في بعض ما كتب إلا حين يحمله التفلسف على التوعر.
وأخشى أن يكون الكندي مظلوماً في الذي قيل من رداءة أسلوبه. فهل كان هو ينقل الرسائل عن اليونانية بنفسه أم كانت تنقل له؟ فاذا كانت تنقل له فليس الذنب في الأسلوب ذنبه، ولكنه ذنب الناقل. . . ألم يختلف مؤرخو الحكمة الإسلامية في كتب الكندي اختلافاً يدعو إلى العجب. . . فابن النديم يقول عن كتاب جغرافية بطليموس إنه نقل للكندي نقلا رديئاً. . . ويقول القفطي إن هذه الكتاب (نقله الكندي إلى العربية نقلا جيداً). فأنت تقف أمام هذا التناقض موقفاً لا تدري وجه الحق فيه.
ويذكر ابن النديم أيضاً أن كتاب (الإلهيات) لأرسطو نقله أسطاث المترجم للكندي الفيلسوف. فيزيدنا شكا في رسائل الكندي وصحة نقله إياها من اللسان اليوناني. . . على أن صديقنا الدكتور الأهواني لا يبالي بأمثال هذه الشكوك ويمضي في رسائل الكندي كأن الطريق إليها مأمون العثرات. . .
ويظن بعض الناس عمداً أو خطأ أن الكندي مسيحي سرياني. وقد وقع في هذا الوهم الفيكونت فيليب طرازي في كتابه القيم (عصر السريان الذهبي). ومن عجب أن هذا الكتاب طبع سنة ١٩٤٦، وطبع قبله كتاب للمرحوم الشيخ مصطفى عبد الرازق وفيه نفي لمسيحية الكندي وتحقيق لهذا المسألة تحقيقا لا يدع مجالا للشك فيها. وأظن أن الكونت طرازي قد وقع له كتاب الشيخ مصطفى عبد الرازق لأنه يفتخر بمكتبته العامرة في بيروت فما معنى الإصرار على الأمر بعد تبين الحق فيه؟؟ وقد أشرت إلى ذلك في مجلة (الكتاب) عدد فبراير سنة ١٩٤٦ ص ٩١٦، ولعل الدكتور الأهواني رأى أن هذه الحقيقة في إسلامية الكندي وعربيته لا تحتاج إلى مزيد من التحقيق أو التقرير.
والكندي لم يُتهم بالانتساب إلى يونان كما يقول الدكتور الأهواني في صفحة ٢٣. والظاهر أن المسألة اختلطت على الدكتور وهو ينقلها عن (المسعودي) في كتابه (مروج الذهب) فلم يقل الكندي إنه يوناني، ولكنه كان يذهب مذهب القائلين في الأنساب أن يونان أخ لقحطان. وشتان بين هذا وذاك.
أما الشاعر الذي هجا الكندي لهذا الخلط في الأنساب فهو أبو العباس الناشيء من طبقة ابن